للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ ضَرُورَةٌ إلَيْهَا وَأَرْكَانُهَا بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ وَدِيعَةٌ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَصِيغَةٌ وَمُودِعٌ وَوَدِيعٌ وَشُرِطَ فِي الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ مَا مَرَّ فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوَ صَبِيٍّ كَمَجْنُونٍ ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِنْ أَوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ فَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي رَدِّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ جَوْفَ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أَخَذَهُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ابْنِ بَنِي شَيْبَةَ قَهْرًا وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِسِدَانَتِهَا أَيْ خِدْمَتِهَا مِنْكُمْ وَلَيْسَ فِيهَا دَفْعٌ وَلَا أَخْذٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَإِنَّمَا فِيهَا الرَّدُّ إلَى الْأَمِينِ لِأَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا أَخَذَهُ قَهْرًا مِنْ خَادِمِهَا لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ دُخُولَهَا فَامْتَنَعَ مِنْ إعْطَاءِ الْمِفْتَاحِ لِعَلِيٍّ فَيَكُونُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ كَانَ عِنْدَهُ كَالْأَمَانَةِ قَوْلُهُ «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» تَسْمِيَةُ الثَّانِي خِيَانَةً مُشَاكَلَةٌ لِأَنَّ الثَّانِي اسْتِنْصَارٌ وَتَخْلِيصُ حَقٍّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ الثَّانِي مِمَّا جَوَّزَ الشَّرْعُ الْمُجَازَاةَ بِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الشَّرْعُ الْمُجَازَاةَ بِهِ كَمَنْ زَنَى بِامْرَأَتِك فَزَنَيْت أَنْتَ بِامْرَأَتِهِ فَالْأَوَّلُ خِيَانَةٌ وَالثَّانِي خِيَانَةٌ أَيْضًا فَلَا مُشَاكَلَةَ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ قَوْلُهُ «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ فَهُوَ مَجَازٌ أَوْ مَعْنَاهُ لَا تَخُنْ بَعْدَ أَنْ اسْتَنْصَرْت مِنْهُ بِأَخْذِ حَقِّك إذْ مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ لَيْسَ خَائِنًا وَإِنَّمَا الْخَائِنُ مَنْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ أَيْ زِيَادَةً عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَلْ ضَرُورَةٌ أَيْ لِأَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحِفْظِهَا وَالضَّرُورَةُ الْحَاجَةُ الشَّدِيدَةُ قَوْلُهُ إلَيْهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ قَوْلُهُ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَيْ الْعَقْدُ لَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَأَنَّ الصِّيغَةَ وَمَا بَعْدَهَا تَكُونُ أَرْكَانًا لِلْعَيْنِ الْمُودَعَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَإِذَا حُمِلَتْ الْوَدِيعَةُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ كَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِخْدَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ مَا مَرَّ فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الشَّيْءِ الْمُودَعِ وَهَذَا تَقَدَّمَ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ فَلَا يُودَعُ كَافِرٌ مُصْحَفًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا مُحْرِمٌ صَيْدًا وَقَالَ شَيْخُنَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ ق ل وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَلَا يُودَعُ كَافِرٌ مُصْحَفًا قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ ارْتِهَانٌ وَاسْتِيدَاعٌ وَاسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ الْمُصْحَفَ وَبِكَرَاهَةٍ إجَارَةُ عَيْنِهِ وَإِعَارَتِهِ وَإِيدَاعِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَنُوبُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي قَبْضِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ اهـ قَالَ شَيْخُنَا ز ي وَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى وَضْعِ الْيَدِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْعَقْدِ اهـ لَكِنْ يُتَأَمَّلُ هَذَا الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حِفْظِهَا اهـ بِحُرُوفِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْقِيتُ الْوَدِيعَةِ وَتَعْلِيقُ إعْطَائِهَا بَعْدَ تَنْجِيزِ عَقْدِهَا كَالْوَكَالَةِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ نَفْسِ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَصِحُّ كَتَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَاسِدًا وَيَجُوزُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ أَعْمَى وَيُوَكِّلَانِ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْقَبْضِ

قَوْلُهُ فَلَوْ أَوْدَعَهُ أَيْ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا كَصَبِيٍّ ع ش وَعِبَارَةُ ق ل فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوَ صَبِيٍّ إلَخْ إذَا أُودِعَ نَاقِصٌ كَامِلًا فَهُوَ ضَامِنٌ مُطْلَقًا أَوْ عَكْسُهُ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالْإِتْلَافِ اهـ وَالْكَامِلُ يَضْمَنُ مَا أَخَذَهُ مِنْ نَحْوِ صَبِيٍّ بِأَقْصَى الْقِيَمِ كَالْغَاصِبِ وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالرَّدِّ لِوَلِيِّ أَمْرِهِ نَعَمْ إنْ أَخَذَهُ مِنْهُ خَوْفًا عَلَى تَلَفِهِ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِنْ رَدَّهُ لِلصَّبِيِّ ضَمِنَ وَلَا يُخَلِّصُهُ إلَّا الرَّدُّ لِوَلِيِّهِ ز ي وسم قَوْلُهُ وَإِنْ أُوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ هَذِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُودِعَ كَامِلٌ وَالْوَدِيعَ نَاقِصٌ وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ قَوْلُهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَخَرَجَ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ لِإِلْغَاءِ الْتِزَامِهِ وَتَلَخَّصَ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ لِأَنَّ الْمُودِعَ إمَّا نَاقِصٌ أَوْ كَامِلٌ وَالْمُودَعَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُودِعَ كَامِلٌ كَامِلًا فَهِيَ الْوَدِيعَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ أَوْ يُودِعَ نَاقِصٌ نَاقِصًا فَيَضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَالْإِتْلَافِ أَوْ يُودِعَ كَامِلٌ نَاقِصًا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْإِتْلَافِ لَا بِالتَّلَفِ أَوْ عَكْسُهُ فَيَضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَالْإِتْلَافِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ نَاقِصٌ نَاقِصًا لَكِنْ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالتَّلَفِ إنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>