فَإِنْ فَقَدَهُ رَدَّهَا الْأَمِينُ وَلَا يُكَلَّفُ تَأْخِيرَ السَّفَرِ. وَيُغْنِي عَنْ الرَّدِّ إلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ الْوَصِيَّةُ بِهَا إلَيْهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ عِنْدَ فَقْدِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ بَيْنَ رَدِّهَا لِلْقَاضِي وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ، وَعِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي بَيْنَ رَدِّهَا لِلْأَمِينِ وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ بِهَا الْإِعْلَامُ بِهَا، وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا مَعَ وَصْفِهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ أَوْ الْإِشَارَةُ لِعَيْنِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا وَلَمْ يُوصِ بِهَا لِمَنْ ذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ ضَمِنَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا أَوْ الْإِيصَاءِ بِهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، وَكَأَنْ يَدْفِنَهَا بِمَوْضِعٍ وَيُسَافِرَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَمِينًا يُرَاقِبُهَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا مَنْ ذَكَرَ لِأَنَّ إعْلَامَهُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ فَشَرْطُهُ فَقْدُ الْقَاضِي.
وَكَأَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا كَتَرْكِ تَهْوِيَةِ ثِيَابٍ صُوفٍ أَوْ تَرْكِ لُبْسِهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا لِذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَهَا لِأَنَّ الدُّودَ يُفْسِدُهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ، وَكُلٌّ مِنْ الْهَوَاءِ وَعُبُوقِ رَائِحَةِ الْآدَمِيِّ بِهَا يَدْفَعُهُ، أَوْ تَرْكِ عَلْفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَضْمَنُ بِالْإِيدَاعِ لِثِقَةٍ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي قَطْعًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةِ بِهَا إلَيْهِ) أَيْ الْأَحَدِ. وَقَوْلُهُ: " وَالْوَصِيَّةُ بِهَا إلَيْهِ " أَيْ الْأَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْإِعْلَامِ ق ل؛ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا. وَنَظَرَ فِيهِ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا أَمْرُهُ بِرَدِّهَا لِمَالِكِهَا مَعَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِشَارَةُ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " وَصْفِهَا ".
قَوْلُهُ: (وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِهَا. وَقَوْلُهُ: " يَجِبُ الْإِشْهَادُ " ضَعَّفَهُ الْمَرْحُومِيُّ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ؛ لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر مِثْلُ الشَّارِحِ. وَقَوْلُهُ " ضَعَّفَهُ الْمَرْحُومِيُّ " أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّدِّ إلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَصِيَّةِ لِمَنْ ذُكِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ م ر وَنَقَلَهُ عَنْهُ سم، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَعْفَ فِي كَلَامِهِ كَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِمَنْ ذُكِرَ) أَيْ لِلْقَاضِي فَالْأَمِينُ. وَقَوْلُهُ " كَمَا ذُكِرَ " أَيْ مِنْ الْبُدَاءَةِ أَوَّلًا بِالْقَاضِي.
قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ إنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِرْمَاوِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَحَلُّ الضَّمَانِ أَيْ فِي الْمَرَضِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْمَرَضِ كَإِرَادَةِ السَّفَرِ.
قَوْلُهُ: (لِلْفَوَاتِ) أَيْ فَوَاتِهَا عَلَى مَالِكِهَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي أَنَّهَا مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَكَأَنْ يَدْفِنَهَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " كَأَنْ نَقَلَهَا " وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَوْضِعٍ) أَيْ حِرْزٍ لَهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (أَمِينًا) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَظَنُّ الْأَمَانَةِ لَا يَكْفِي لَوْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (يُرَاقِبُهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ إيَّاهَا بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْقُطَّاعُ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ ضَلَّ مَوْضِعَهَا؛ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَ بِهَا) اقْتِصَارُهُ عَلَى الْإِعْلَامِ هُنَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْقَلْيُوبِيِّ السَّابِقِ، فَلْيُحَرَّرْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ إعْلَامَهُ) يُفِيدُ أَنَّ السُّكْنَى غَيْرُ قَيْدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ ائْتِمَانٌ فَتَكْفِي فِيهِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ بِإِشْهَادٍ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ إعْلَامِهِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَكَأَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلِفَاتِهَا) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي خِزَانَةِ الْوَدِيعِ حَرِيقٌ فَبَادَرَ لِنَقْلِ أَمْتِعَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ دُفْعَةً أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً لِمِثْلِهِ، أَوْ كَانَتْ فَوْقَ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَهَا وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَدَائِعُ فَبَادَرَ بِنَقْلِ بَعْضِهَا فَاحْتَرَقَ مَا تَأَخَّرَ نَقْلُهُ. اهـ. س ل عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُ ق ل، أَيْ إذَا أَمْكَنَ نَقْلُهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ فِي هَذِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَكَ لُبْسَهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا لِذَلِكَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ اللُّبْسِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَيُوَجَّهُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الضَّمَانُ حَتَّى يُوجَدَ صَارِفٌ. وَعِبَارَةُ م ر. وَكَذَا عَلَيْهِ لُبْسُهَا بِنَفْسِهِ إنْ لَاقَ بِهِ عِنْدَ حَاجَتِهَا بِأَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الدُّودِ بِسَبَبِ عُبُوقِ رِيحِ الْآدَمِيِّ لَهَا، نَعَمْ إنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ لُبْسُهَا أَلْبَسَهَا مَنْ يَلِيقُ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةِ مَعَ مُلَاحَظَتِهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا لَمْ يَنْهَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهَا كَثَوْبِ حَرِيرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَلْبَسُهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ، بَلْ الْوُجُوبُ وَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَحْتَاجُ لُبْسُهَا إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ رَفْعَ