التَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] أَيْ قَدَّرْتُمْ وَشَرْعًا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ (ذَكَرٍ) بَعْدَ (رَجُلٍ) ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُقَابِلُ الصَّبِيِّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
التَّعْصِيبُ أَشْرَفُ لِأَنَّ بِهِ قَدْ يُسْتَغْرَقُ الْمَالُ.
قَوْلُهُ: (نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ) خَرَجَ بِهِ التَّعْصِيبُ، وَقَوْلُهُ: " شَرْعًا " خَرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنَّهَا بِتَقْدِيرِ الْمَالِكِ لَا بِالشَّرْعِ. وَقَوْلُهُ: " لِلْوَارِثِ " خَرَجَ بِهِ رُبُعُ الْعُشْرِ مَثَلًا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْوَارِثِ بَلْ لِلْمَذْكُورِينَ فِي آيَةِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] إلَخْ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (لِلْوَارِثِ) وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ يُزَادُ بِالرَّدِّ وَيَنْقُصُ بِالْعَوْلِ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ وَإِنْ جُعِلَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ.
فَائِدَةٌ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَيَقُولُونَ: أَنُوَرِّثُ أَمْوَالَنَا مَنْ لَا يَرْكَبُ الْخُيُولَ وَلَا يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟ وَيَجْعَلُونَ حَظَّ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا سَنَةً وَهِيَ كَانَتْ عِدَّتَهَا عِنْدَهُمْ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الْأَخَ وَابْنَ الْعَمِّ، وَزَوْجَةَ الْأَخِ وَالْعَمِّ كَرْهًا ثُمَّ نُسِخَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وَجَعَلَ لَهَا حَظَّهَا مِنْ الْإِرْثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ} [النساء: ١٢] وَنُسِخَ الْإِرْثُ كَرْهًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: ١٩] وَكَانُوا يَرِثُونَ بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: دَمِي دَمُك وَسِلْمِي سِلْمُك وَحَرَمِي حَرَمُك تَرِثُنِي وَأَرِثُك وَتَنْصُرُنِي وَأَنْصُرُك وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْك وَكَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ التَّوَارُثُ بِالتَّبَنِّي وَالْإِخَاءِ وَكَذَا بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُقِرَّ التَّوَارُثُ بِالْهِجْرَةِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٢] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] فَكَانَ إذَا تَرَكَ الْمُجَاهِدُ أَخَوَيْنِ مُهَاجِرًا وَغَيْرَ مُهَاجِرٍ وَعَمًّا مُهَاجِرًا وَعَمًّا غَيْرَ مُهَاجِرٍ كَانَ إرْثُهُ لِلْمُهَاجِرِ فَقَطْ؛ كَذَا صَوَّرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ قَرَابَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَصْوِيرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُحْمَلُ الِاخْتِلَافُ عَلَى كَلَامِ أُولَئِكَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْإِرْثَ كَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُطْلَقًا كَمَا دَلَّتْ الْآيَةُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} [الأنفال: ٧٢] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُقِرَّ التَّوَارُثُ بِالْقَرَابَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ} [الأنفال: ٧٥] الْآيَةَ.
وَيُقَالُ إنَّهُ نُسِخَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] فَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِنَصِيبِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَمَنْ وَافَقَهُ مُصِيبٌ وَإِلَّا فَمُخْطِئٌ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلِأَوْلَى) أَيْ فَلِأَحَقِّ ذَكَرٍ وَهُوَ الْأَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ، كَالِابْنِ مَعَ ابْنِهِ أَوْ الْأَقْرَبِ كَالشَّقِيقِ مَعَ الَّذِي لِلْأَبِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ) الْأَوْلَى أَوْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ فَيَكُونُ جَوَابًا ثَانِيًا.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ رَجُلٌ. وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِظْهَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْتِيتِ الضَّمَائِرِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ ذَكَرٌ. وَقَوْلُهُ: " عَامٌّ " فِيهِ أَنَّ ذَكَرًا لَيْسَ عَامًّا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute