للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ ذَكَرٍ كَفَى، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ؟ أُجِيبَ بِأَنْ لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَاشْتُهِرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ أَيْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ: النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْإِثْبَاتِ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ وَقَوْلُهُ مَخْصُوصٌ أَيْ بِالْبَالِغِ. وَفِيهِ أَنَّ (رَجُلًا) لَا يُدْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمُ بَلْ يُقَوِّيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْأُنْثَى دَفَعَهُ أَيْ دَفَعَ خُصُوصَهُ بِالْبَالِغِ. وَقَالَ م د: فَإِنْ قِيلَ لَوْ اقْتَصَرَ إلَخْ، تَعَقُّبٌ بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي مَرْكَزِهِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ فَرَجُلٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا بَعْدَهُ فَصَارَ الْمُحْتَاجُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ هُوَ الثَّانِي. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ هَذَا سُؤَالٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِالثَّانِي فِي وَفَاءِ الْمُرَادِ إطْنَابٌ.

فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ بَعْضِ أَفْرَادِ الذَّكَرِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ الْحَالَةُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَمَّاهَا مَوَارِيثَ لِلْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا نَحْوُ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤] أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ، فَذَكَرَ الْمُجَازَاةَ بِلَفْظِ الْمَكْرِ لِوُقُوعِهَا تَحْقِيقًا مُصَاحِبَةً لِمَكْرِهِمْ أَوْ اعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِلَّا فَهِيَ إعْطَاءَاتٌ لَا مَوَارِيثُ. وَقَالَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَى ثُمَّ نُسِخَ دُونَ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فَكَانَ إبْطَالُهَا لَا يُسَمَّى نَسْخًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَرَاتِبِ فَإِنَّهَا بِالشَّرْعِ فَكَانَ إبْطَالُهَا نَسْخًا.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ التَّوَارُثُ وَالْمُرَادُ تَوَارُثٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ تَوَارُثُ السُّدُسِ كَمَا فِي الْجَلَالَيْنِ وَقَوْلُهُ بِالْحَلِفِ إلَخْ، أَيْ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٣] الْآيَةَ وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٣] جَمْعُ يَمِينٍ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الْحُلَفَاءِ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى النُّصْرَةِ وَالْإِرْثِ: {فَآتُوهُمْ} [النساء: ٣٣] أَعْطُوهُمْ {نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] حَظَّهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدُسُ. وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَالنُّصْرَةِ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ بِالْحَلِفِ عَلَى الْإِرْثِ وَالنُّصْرَةِ، أَيْ يَتَحَالَفَانِ عَلَى أَنْ يَنْصُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ فِي حَيَاتِهِ وَيَرِثُهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. وَيَصِحُّ ضَبْطُ الْحَلِفِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْعَهْدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَفْسِيرِ الْجَلَالِ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ) أَيْ مَعًا أَيْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا هَاجَرَا وَتَآخَيَا، أَيْ جُعِلَا أَخَوَيْنِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ. وَهَذَا مُشَارٌ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٢] وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ {وَالَّذِينَ آوَوْا} [الأنفال: ٧٢] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَنَصَرُوا} [الأنفال: ٧٢] وَهُمْ الْأَنْصَارُ {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٢] أَيْ فِي النُّصْرَةِ وَالْإِرْثِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٢] فَلَا إرْثَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ: {حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] . وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآخِرِ السُّورَةِ جَلَالَيْنِ، أَيْ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] .

قَوْلُهُ: (فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ) أَيْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: ١٨٠] الْآيَةَ.

قَوْلُهُ: (بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِآيَاتِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ لَا تُعَارِضُهُ بَلْ تُؤَكِّدُهُ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ مِنْ الْآحَادِ وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ لَا يُلْحِقُهُ بِالْمُتَوَاتِرِ. قَوْلُهُ: (أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) أَيْ وَاجِبَةً. قَوْلُهُ: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ» أَيْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ) الْمَفْهُومُ مِنْ تَعَلَّمُوا، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَعَلِّمُوهَا» ق ل عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>