الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي فِيهَا» . وَمِنْهَا: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» . وَإِنَّمَا سُمِّيَ نِصْفَ الْعِلْمِ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ حَالَتَيْنِ حَالَةُ حَيَاةٍ وَحَالَةُ مَوْتٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ. وَقِيلَ النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: وُجُودُ أَسْبَابِهِ وَوُجُودُ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ. فَأَمَّا أَسْبَابُهُ فَأَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ
وَشُرُوطُهُ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ: تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ إلْحَاقِهِ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْجَلَالِ. وَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ التَّعَلُّمُ عَلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْلِيمِ طَبْعًا حَالَةَ التَّعَلُّمِ، فَقُدِّمَ وَضْعًا لِتَوَافُقِهِمَا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقَدُّمِ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْمُتَأَخِّرِ مُحْتَاجًا إلَى الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يَكُونُ الْمُتَقَدِّمُ عِلَّةً لَهُ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ الْفَرَائِضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعْلِيمِهِ كَذَلِكَ، أَمَّا إنَّ التَّعَلُّمَ لَيْسَ عِلَّةً لِلتَّعْلِيمِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا لَزِمَ التَّعْلِيمُ مِنْ حُصُولِ التَّعَلُّمِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْلُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ ضَرُورِيٌّ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ حُصُولِهِ لِأَنَّ النَّاسَ كَثِيرًا مَا يَتَعَلَّمُونَ الْفَرَائِضَ وَلَا يُعَلِّمُونَهَا وَأَمَّا إنَّ تَعْلِيمَ الْفَرَائِضِ مُحْتَاجٌ إلَى تَعَلُّمِهِ فَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَتَعَلَّمْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَنَا التَّعْلِيمُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ أَنْصِبَاءُ الْوَرَثَةِ اهـ شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ.
قَوْلُهُ: (مَقْبُوضٌ) أَيْ مَيِّتٌ. قَوْلُهُ: (سَيُقْبَضُ) أَيْ يَنْعَدِمُ بِمَوْتِ أَهْلِهِ لَا بِنَزْعِهِ مِنْ الصَّدْرِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ الصُّدُورِ وَالْوَرَقِ فَيُصْبِحُ الرَّجُلُ لَا يَلْقَى مَعَهُ شَيْئًا مِمَّا يَحْفَظُهُ وَيَجِدُ الْمُصْحَفَ وَرَقًا أَبْيَضَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْعِلْمُ الْمَفْهُومُ مِنْ: تَعَلَّمُوا مِنْ دِينِكُمْ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ) وَلَا يُعَارَضُ؛ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مَاضِيَةٌ وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّنْصِيفَ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَاعْتِبَارُ التَّثْلِيثِ بِاعْتِبَارِ الْأَدِلَّةِ وَهِيَ فِي هَذَا الْعِلْمِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْحِسَابِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ.
قَوْلُهُ: (نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ غَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْرِيرَ الْمُنَاصَفَةِ بَلْ انْقِسَامُهُمْ فِيهِ قِسْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَكْثَرَ أَفْرَادًا مِنْ الْآخَرِ؛ وَلِذَا قَالَ م ر: الْمُرَادُ بِالنِّصْفِ الشَّطْرُ أَيْ الْجُزْءُ لَا حَقِيقَةَ النِّصْفِ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ جُزْءٌ مِنْ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ فَالْعِبَادَاتُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالْبُيُوعُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَهَكَذَا فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَبِيرُ مَدْحٍ لِلْفَرَائِضِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ النِّصْفِ فِيهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ نَفْعِهِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ النِّصْفِ بِمَعْنَى النِّصْفِ لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ صِنْفٌ مِنْ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَكُونُ لِلْفَرَائِضِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شَيْخُنَا ح ف: الْجَوَابُ الثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِذَا حَكَاهُ بِ " قِيلَ " تَدَبَّرْ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ حَمْلَ النِّصْفِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ حَدِيثُ: «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي أَنَّهُ نِصْفَهَا، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ مُطْلَقًا أَوْ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَالنَّاسُ مُبْتَدَأٌ وَنِصْفَانِ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ إلَخْ) وَكَذَا كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِرْثَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُوَرِّثٌ وَوَارِثٌ وَحَقٌّ مَوْرُوثٌ. قَوْلُهُ: (أَسْبَابِهِ) جَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ وَاصْطِلَاحًا وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ كَالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ يُعْرَفُ بِهِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (قَرَابَةٌ) هِيَ الْأُبُوَّةُ وَالْأُمُومَةُ وَالْبُنُوَّةُ وَالْإِدْلَاءُ إلَى الْمَيِّتِ بِأَحَدِهَا، وَيُورَثُ بِهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَارَةً وَمِنْ أَحَدِهِمَا أُخْرَى ق ل. وَقَوْلُهُ " وَمِنْ أَحَدِهِمَا " كَالْعَمَّةِ وَابْنِ أَخِيهَا وَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ عَمِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَنِكَاحٌ) وَهُوَ عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ وَلَا خَلْوَةٌ، وَيُورَثُ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا وَلَوْ فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ. اهـ. م د، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا. وَفِي م ر: نَعَمْ لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَتَزَوَّجَ بِهَا لَمْ تَرِثْهُ لِلدَّوْرِ، إذْ لَوْ وَرِثَتْ لَكَانَ عِتْقُهَا وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَهِيَ مِنْهُمْ، وَإِجَازَتُهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ حُرِّيَّتِهَا وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى سَبْقِ إجَازَتِهَا، فَأَدَّى إرْثُهَا لِعَدَمِ إرْثِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: