عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ؛ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: حَجْبٌ بِالْوَصْفِ وَيُسَمَّى مَنْعًا كَالْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَسَيَأْتِي وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا. وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
وَمَنْ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ: (خَمْسَةٌ) وَهُمْ (الزَّوْجَانِ وَالْأَبَوَانِ وَوَلَدُ الصُّلْبِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهَذَا إجْمَاعٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ الْمُعْتِقُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَإِنَّهُ وَإِنْ أَدْلَى بِنَفْسِهِ يُحْجَبُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ النَّسَبُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَضَابِطُ مَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَجْبُ بِالشَّخْصِ حَجْبُ حِرْمَانٍ كُلُّ مَنْ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ إلَّا الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتِقَةُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَجْبِ بِالْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) أَيْ الَّذِي (لَا يَرِثُ بِحَالٍ) أَيْ مُطْلَقًا سَبْعَةٌ بَلْ أَكْثَرُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (حَجْبَ نُقْصَانٍ) وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّخْصِ وَيَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَالِابْنُ يُحْجَبُ بِأَخِيهِ أَيْ يُنْقِصُهُ عَنْ نَصِيبِهِ وَهُوَ جَمِيعُ الْمَالِ أَوْ جَمِيعُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ يُشَارِكُهُ فِيهِ، وَكَوْنُ هَذَا حَجْبًا فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبِنْتِ مَعَ أُخْتِهَا فَإِنَّهَا حَجَبَتْهَا مِنْ النِّصْفِ إلَى الثُّلُثِ وَهُوَ إمَّا بِالِانْتِقَالِ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ كَالْأُمِّ أَوْ إلَى التَّعْصِيبِ كَالْبِنْتِ مَعَ أَخِيهَا أَوْ مِنْ تَعْصِيبٍ إلَى تَعْصِيبٍ كَالْأَخِ مَعَ أَخِيهِ أَوْ إلَى فَرْضٍ كَالْجَدِّ أَوْ مُزَاحَمَةٍ فِي فَرْضٍ كَالْبَنَاتِ أَوْ فِي التَّعْصِيبِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَهُنَّ؛ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ. وَمَدَارُ الْحَجْبِ عَلَى التَّقْدِيمِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثٍ، وَهِيَ: الْجِهَةُ ثُمَّ الْقُرْبُ ثُمَّ الْقُوَّةُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْجَعْبَرِيُّ بِقَوْلِهِ:
فَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ ... وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا
قَوْلُهُ: (أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ) عَطْفُهُ عَلَى الشَّخْصِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَجْبِ بِالشَّخْصِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاجِبَ هُمْ الْوَرَثَةُ الْمُسْتَغْرِقُونَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ مِنْ مَنْطُوقِهِ.
قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ. وَهُمْ سَبْعَةٌ: الِابْنُ وَالْبِنْتُ وَالْأَبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالْمُعْتِقُ، فَمَا عَدَا الْأَخِيرِ لَا يُحْجَبُونَ حَجْبَ حِرْمَانٍ بِالشَّخْصِ أَصْلًا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْأَخِيرَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ فَرْعًا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ: " وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ " أَيْ فَهُوَ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَهُوَ فَرْعٌ وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ. هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِعَدَمِ إرْثِ الْمُعْتِقِ مَعَ عَصَبَةِ النَّسَبِ مَعَ أَنَّهُ يُدْلِي بِنَفْسِهِ لِلْمَيِّتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِتَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى وَلَدِ الصُّلْبِ فِي الذَّكَرِ وَإِلَّا فَالْفَرْعُ مُقَدَّمٌ فِي الْجِهَةِ لِأَنَّ جِهَةَ الْبُنُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْجُدُودِ وَالْإِخْوَةِ ثُمَّ بُنُوَّتُهَا ثُمَّ الْعُمُومَةُ ثُمَّ الْوَلَاءُ وَفِي كُلٍّ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالِابْنِ مَعَ ابْنِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُرْبًا فَبِالْقُوَّةِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَسَيَأْتِي ق ل.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْمُعْتِقَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: " بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ " وَحِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: " وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ " إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ أَفَادَ كَوْنَ الْإِرْثِ بِالْعِتْقِ فَرْعَ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَوْلَى) أَيْ قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ فِيهِ ضَبْطَهُمْ تَفْصِيلًا، بِخِلَافِ هَذَا الضَّابِطِ فَإِنَّ فِيهِ إجْمَالًا إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُهُمْ. اهـ. شَيْخُنَا. وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي الْمُحَشِّي بِحَيْثُ قَالَ: لَمْ يَتَّضِحْ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ اشْتِمَالُ الْأَوَّلِ عَلَى كَوْنِ الْعِتْقِ فَرْعَ النَّسَبِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمُجَرَّدِهِ فَالْأَمْرُ سَهْلٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ بَيَانُهُمْ أَيْ بَيَانُ الَّذِينَ لَا يُحْجَبُونَ تَفْصِيلًا بِخِلَافِ ذَاكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الَّذِي) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، لِأَنَّ " مَنْ " وَاقِعَةٌ عَلَى مُتَعَدِّدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ أَيْضًا نَحْوَ: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: ٦٩] . وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ رَاعَى لَفْظَ " مَنْ " لِأَنَّ لَفْظَهَا مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهَا مُتَعَدِّدٌ