الْمُنَجَّزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ فَتُقْسَمُ تَرِكَتُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ: «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ. مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً بِكُلِّ الْمَالِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ.
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَمُوصٍ وَمُوصًى لَهُ وَمُوصًى بِهِ وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ الصِّيغَةَ وَذَكَرَ الْبَقِيَّةَ. وَبَدَأَ بِالْمُوصَى بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِ) الشَّيْءِ (الْمَعْلُومِ) وَإِنْ قَلَّ كَحَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَبِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً، وَبِالْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَبِعَبْدِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْته. وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ هُوَ إعْطَاءُ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ التَّبَرُّعُ فَهُوَ نَعْتٌ حَقِيقِيٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ نَعْتَ حَقٍّ يَكُونُ نَعْتًا سَبَبِيًّا اهـ م د. وَالتَّقْدِيرُ مُضَافٌ إعْطَاؤُهُ، وَالْأَوْلَى جَرُّهُ صِفَةً لِحَقٍّ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِي الْحَالِ وَالْحَقُّ إنَّمَا يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ الْمُضَافُ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا التَّبَرُّعُ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَابِغِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى قِرَاءَةُ مُضَافٍ بِالرَّفْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَقْدِيرًا) كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت بِكَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي؛ مَرْحُومِيٌّ. وَالتَّحْقِيقُ كَأَعْطُوهُ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ) بِصِفَةٍ أَيْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَقْبَلَانِ الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ وَإِنْ قَبِلَا الرُّجُوعَ بِالْفِعْلِ كَبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ كَانَا مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُمَا بِالْقَوْلِ.
قَوْلُهُ: (حُكْمًا) وَهُوَ الْحُسْبَانُ مِنْ الثُّلُثِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ) كَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ وَاضْطِرَابِ الرِّيحِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْأَنْسَبُ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: كُلٌّ مِنْهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ فَلِمَ قَدَّمَ الْفَرَائِضَ؟ قُلْت: لِعَدَمِ تَخَلُّفِهَا أَصْلًا بِخِلَافِ الْوَصَايَا فَقَدْ تَقَعُ وَقَدْ لَا تَقَعُ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ ع ش: قَدْ يُقَالُ مُجَرَّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْمَوْتِ لَا يَسْتَدْعِي تَأْخِيرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ أَخَّرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ ثَابِتَةٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا تَصَرُّفَ لِلْمَيِّتِ فِيهَا وَهَذِهِ عَارِضَةٌ فَقَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلَخْ) تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا وَلِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ لَا تَسْمَحُ بِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا شَرْعًا، وَأَيْضًا قُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ.
قَوْلُهُ: «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ» إلَخْ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِخُصُوصِهَا وَإِلَّا فَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ» كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ وَسُنَّةٍ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ طَرِيقِ الْخَيْرِ وَقَوْلُهُ " وَشَهَادَةٍ " أَيْ تَصْدِيقٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ حَيْثُ عَمِلَ بِمَا فِيهِمَا، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ أَوْ مَاتَ مُعْتَرِفًا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ.
قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ) وَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ فَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي الْحَيَاةِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَقَدْ تُبَاحُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَلِلْكَافِرِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَعَلَى هَذَا النَّوْعِ أَعْنِي الْمُبَاحَ حُمِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدَ قُرْبَةٍ أَيْ دَائِمًا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ، وَقَدْ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهِ مَرَضٌ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا ضَيَاعُ حَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَحْرُمُ لِمَنْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لَهُ شَيْءٌ فِي تَرِكَتِهِ أَفْسَدَهَا، وَقَدْ تُكْرَهُ إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " ضَيَاعُ حَقٍّ إلَخْ " هَذَا إيصَاءٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْأَوْلَى تَصْوِيرُ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا نَذَرَهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (مُوصًى لَهُ) قَضِيَّةُ جَعْلِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي صَحَّ وَيُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ.
قَوْلُهُ: (وَبِالْمُكَاتَبِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ، ثُمَّ رَأَيْت م ر فِي شَرْحِهِ قَالَ: وَكَذَا