للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَيِّتَ فِي ثُلُثِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ (وَ) تَجُوزُ بِالشَّيْءِ (الْمَوْجُودِ) كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ فَبِالْمَوْجُودِ أَوْلَى (وَ) تَجُوزُ بِالشَّيْءِ (الْمَعْدُومِ) كَأَنْ يُوصِيَ بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اُحْتُمِلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنْ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً، وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ، وَتَجُوزُ بِالْمُبْهَمِ كَأَحَدِ عَبْدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِبْهَامُ وَيُعَيَّنُ الْوَارِثُ، وَتَجُوزُ بِالْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ وَحْدَهَا مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُقَابَلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ كَالْأَعْيَانِ، وَتَجُوزُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَبِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ وَبِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ. وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا لِشَخْصٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا لِإِمْكَانِ صَيْرُورَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْخِبْرَةِ بِالْبَهَائِمِ. وَقَوْلُهُ: حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مَضْمُونًا كَجَنِينِ الْأَمَةِ، بِخِلَافِ حَمْلِ الدَّابَّةِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَتَبْطُلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَضْمُونًا أَوْ لَا، وَالْأَرْشُ لِلْوَارِثِ حِينَئِذٍ لَا لِلْمُوصَى لَهُ. وَمَحَلُّ الِاحْتِيَاجِ لِهَذَا كُلِّهِ إذَا قَالَهُ أَوْصَيْت بِهَذَا الْحَمْلِ الْمَوْجُودِ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ وَلَمْ يَقُلْ الْمَوْجُودِ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالشَّيْءِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ احْتِمَالُ الْجَهَالَةِ أَيْ اغْتِفَارُهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا عُلِّلَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى عَبْدَهُ التَّصَرُّفَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ) أَيْ فَالْإِبْهَامُ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى بِهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى لَهُ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ بِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ. اهـ. شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَبِمَا لَا يُقْدَرُ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَجْهُولٍ. وَقَوْلُهُ " كَالطَّيْرِ " أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَبِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَقَوْلُهُ " فِي ثُلُثِهِ " الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُوصَى لَهُ، أَيْ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي مِلْكِ ثُلُثِهِ أَيْ الثُّلُثِ الصَّائِرِ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي مِلْكِ ثُلُثَيْهِ الصَّائِرَيْنِ لَهُ بِالْإِرْثِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ) أَيْ وَالْوَارِثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي ثُلُثَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُورِثُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِمَا لَهُ، فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الثُّلُثِ لِلْمُوصَى لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالشَّيْءِ الْمَعْدُومِ) تَفْسِيرُ الْمَعْدُومِ بِالشَّيْءِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَوْجُودُ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا اصْطِلَاحُ أَهْلِ الْعَقَائِدِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ.

قَوْلُهُ: (بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ) لَكِنْ إنْ أَوْصَى بِهَذَا الْعَامِ أَوْ كُلِّ عَامٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ: أَوْصَيْتُ بِمَا يَحْدُثُ فَهَلْ يَعُمُّ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالسَّنَةِ الْأُولَى؟ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ؟ وَهُوَ ظَاهِرٌ. خَطِيبٌ وم ر ع ش.

قَوْلُهُ: (سَيَحْدُثُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ.

قَوْلُهُ: (بِعَقْدِ السَّلَمِ) أَيْ فَلَوْ أَسْلَمَ فِي رُطَبٍ أَوْ بُرٍّ مِنْ تَمْرِ أَوْ زَرْعِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ لِتَأْتِيَ بِهِ زَمَنَ الْجُذَاذِ أَوْ الْحَصَادِ وَكَانَ عَقْدُ السَّلَمِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّلْعُ وَيَبْرُزَ الْبُرُّ كَانَ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مَعْدُومٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُسَاقَاةِ) أَيْ فَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ لِيَكُونَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَقَدْ تَمَلَّكَ بِالْعَقْدِ مَا هُوَ مَفْقُودٌ عِنْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِجَارَةِ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا مَفْقُودَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ إذْ لَا تُسْتَوْفَى حَالًّا.

قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالْمُبْهَمِ) لَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَجْهُولِ، إذْ الْإِبْهَامُ لَا يُنَافِي الْعِلْمَ فَسَقَطَ قَوْلُ ق ل: هَذَا مِنْ أَفْرَادِ مَجْهُولِ الْعَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالْمَنَافِعِ إلَخْ) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْدُومِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَعْلُهُ الْإِجَارَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا لَا تُسْتَوْفَى حَالًا فَهِيَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً) ثُمَّ إنَّهُ فِي التَّأْبِيدِ أَوْ الْإِطْلَاقِ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَيْنِ بِمَنْفَعَتِهَا مَعًا مِنْ الثُّلُثِ وَأَمَّا إنْ أُقِّتَتْ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ مِنْ الثُّلُثِ مَثَلًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ بِمَنْفَعَتِهَا مِائَةً وَبِدُونِ الْمَنْفَعَةِ ثَمَانِينَ اُعْتُبِرَتْ الْمِائَةُ فِي الْأَوَّلِ، أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَا مَعَ مَنْفَعَتِهَا وَالْعِشْرِينَ فِي الثَّانِي مِنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا إذَا قُيِّدَ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاةِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَا تُورَثُ عَنْهُ، وَكَذَا يَكُونُ إبَاحَةً إذَا قُيِّدَ بِمَجْهُولَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تُورَثُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ بِسُكْنَاهَا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ فَتُورَثُ عَنْ الْمُوصَى لَهُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَنَافِعَ.

قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ) وَتَصِحُّ بِمَرْهُونٍ جَعْلًا وَشَرْعًا، ثُمَّ إنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَيَصِحُّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ فَكِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>