الْوَصِيَّةُ) أَيْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (لِوَارِثٍ) خَاصٍّ غَيْرِ حَائِزٍ بِزَائِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ (إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ) الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ. قَالَ الذَّهَبِيُّ صَالِحٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَخَرَجَ بِالْخَاصِّ الْوَارِثُ لِلْعَامِّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ، وَبِغَيْرِ حَائِزٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَائِزٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِزَائِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ مَا لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِقَدْرِ إرْثِهِ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ أَيْ تُكْرَهُ إلَخْ) فَالْمَنْفِيُّ الْجَوَازُ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ وَلَا تَنْفُذُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا إلَخْ، فَيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ الْمُقَدَّرِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل: صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ أَيْ لَا تَنْفُذُ بَدَلُ قَوْلِهِ أَيْ تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ لَا مِنْ الْكَرَاهَةِ اهـ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ بِالْإِجَازَةِ. قَوْلُهُ: (لِوَارِثٍ) أَيْ وَقْتَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ حَائِزٍ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْحَائِزِ فَلَاغِيَةٌ، إذْ لَا مَعْنَى لَهَا فَذَكَرَ قُيُودًا أَرْبَعَةً.
قَوْلُهُ: (بِزَائِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ) أَمَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إلَخْ. وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ شَائِعًا فَهِيَ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَتْ لِبَعْضِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ صَحَّتْ كَمَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَصْحَابُ السُّنَنِ) وَهُمْ أَرْبَعَةٌ: أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ. وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيَّ ... وَالنَّسَئِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا) أَيْ فَتَنْفُذَ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَا تَجُوزُ " أَيْ تُكْرَهُ، وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا إلَخْ " هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَا تَزُولُ بِالْإِجَازَةِ، فَلَوْ فُسِّرَ عَدَمُ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ كَانَ أَحْسَنَ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ ق ل، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ مُتَّصِلًا اهـ. وَكَتَبَ الْمَرْحُومِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا إلَخْ ": أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِدُونِ الثُّلُثِ، قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: فَإِنْ أَجَازُوا فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ وَوَلَاءٌ مَنْ أَجَازُوا عِتْقَهُ الْحَاصِلَ بِالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ ثَابِتٌ لِلْمَيِّتِ يَسْتَحِقُّهُ ذُكُورُ الْعَصَبَةِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِهِ: وَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا مَعَ جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَبْدٍ لَهُ مَثَلًا مُعَيَّنٍ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُجِيزُ الْجَهْلَ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ قَالَ كُنْتُ أَعْتَقِدُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الْجَهْلِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ظَنَّهُ بِأَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ ظَانًّا قِلَّةَ الْمَالِ؛ هَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَنْفِيذٌ.
قَوْلُهُ: (الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ) أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ فَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى كَمَالِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجِيزَ وَلَا أَنْ يَرُدَّ.
قَوْلُهُ: (بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ) أَيْ لَيْسَ بِضَعِيفٍ وَلَمْ يَرْتَقِ إلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، بِرْمَاوِيٌّ اهـ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ) أَيْ الْمُوصِي.
قَوْلُهُ: (يُصْرَفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِنْسَانِ الْمُوصَى لَهُ مَعَ كَوْنِهِ وَارِثًا عَامًّا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ، وَتَسْمِيَةُ هَذَا الشَّخْصِ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا عَامًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْوَارِثِ الْعَامِّ وَهُوَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً بَلْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَارِثِ الْعَامِّ.
قَوْلُهُ: (بِمَالِهِ كُلِّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَوْصَى بِبَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِلَا وَصِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ.
قَوْلُهُ: (لِوَارِثٍ) أَيْ لِكُلِّ وَارِثٍ إذْ هِيَ الَّتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُشَاعِ وَالْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُ " بَيْنَ الْمُشَاعِ " أَيْ فَلَا تَصِحُّ وَقَوْلُهُ وَالْمُعَيَّنُ أَيْ فَتَصِحُّ.