للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْإِيصَاءِ وَهُوَ إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ مُضَافٍ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَوْلِهِ: (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ) بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمُبَاحَةِ يُقَالُ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَأَوْصَيْت إلَيْهِ، وَوَصَّيْته إذَا جَعَلْته وَصِيًّا. وَقَدْ أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.

وَأَرْكَانُ الْإِيصَاءِ أَرْبَعَةٌ: مُوصٍ وَوَصِيٌّ وَمُوصًى فِيهِ وَصِيغَةٌ. وَشُرِطَ فِي الْمُوصِي بِقَضَاءِ حَقٍّ كَدَيْنٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ مَا مَرَّ فِي الْمُوصِي بِمَالٍ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ. وَشُرِطَ فِي الْمُوصِي بِنَحْوِ أَمْرِ طِفْلٍ كَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ بِسَفَهٍ مَعَ مَا مَرَّ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ الشَّرْعِ لَا بِتَفْوِيضٍ، فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِمَّنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُمٍّ وَعَمٍّ وَوَصِيٍّ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ.

وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ (إلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسُ شَرَائِطَ) عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَرَكَ سَادِسًا وَسَابِعًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فِي مُسْلِمٍ. (وَ) الثَّانِي: (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثُ: (الْعَقْلُ وَ) الرَّابِعُ: (الْحُرِّيَّةُ وَ) الْخَامِسُ: (الْأَمَانَةُ) وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهَا بِالْعَدَالَةِ وَلَوْ ظَاهِرَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. وَالسَّادِسُ الِاهْتِدَاءُ إلَى التَّصَرُّفِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالسَّابِعُ عَدَمُ عَدَاوَةٍ مِنْهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَكُونَ رُجُوعًا فَإِنَّ الْعَجِينَ يَفْسُدُ لَوْ تُرِكَ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ إصْلَاحَهُ وَحِفْظَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَغِرَاسِهِ بِأَرْضٍ) بِخِلَافِ زَرْعِهِ بِهَا م ر.

قَوْلُهُ: (فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ) خَرَّجَ الْعِبَادَةَ، وَقَوْلُهُ: " الْمُبَاحَةِ " خَرَّجَ الْمَعْصِيَةَ، كَجَعَلْتُهُ وَصِيًّا بِبِنَاءِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَوْصَيْتُ إلَيْهِ) فَيَتَعَدَّى بِاللَّامِ وَبِإِلَى، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْته، قَوْلُهُ: (إلَى اللَّهِ) ذَكَرَهُ لِلتَّبَرُّكِ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ وَصِيًّا عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ مَالِهِ وَيَحْفَظُ مَالَهُمْ،. اهـ. زي.

قَوْلُهُ: (بِقَضَاءِ حَقٍّ) وَالْمُوصَى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ يُطَالِبُ الْوَرَثَةَ بِقَضَائِهِ أَوْ بِتَسْلِيمِ التَّرِكَةِ لِتُبَاعَ فِي الدَّيْنِ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمُوصِي وَكَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءُ الْوَصَايَا.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ) أَيْ بِأَنَّهُ مَالِكٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ حُرٌّ مُخْتَارٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ أَمْرٍ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: بِأَمْرِ نَحْوِ طِفْلٍ، فَالْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ. قَوْلُهُ: (مَعَ مَا مَرَّ) أَيْ فِي شُرُوطِ الْمُوصِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ.

قَوْلُهُ: (وِلَايَةٌ لَهُ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا ق ل.

قَوْلُهُ: (لَا بِتَفْوِيضٍ) أَمَّا الَّذِي لَهُ الْوِلَايَةُ بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَصِيِّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ غَيْرَهُ فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأُمٍّ وَعَمٍّ) أَيْ فَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ وَمَنْ بَعْدَهَا شَرْعًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جَعْلِيَّةً مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْحَاكِمِ م د. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ:

قَوْلُهُ: " وَأَمٍّ وَعَمٍّ " وَكَذَا أَبٌ وَجَدٌّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ الْحَاكِمَ دُونَهُمَا وَالْأَبُ الْفَاسِقُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقِيمَ وَصِيًّا عَلَى طِفْلِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ) فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمُوصِي جَازَ إنْ قَالَ أُوصِي عَنِّي أَوْ عَنْ نَفْسِك أَوْ أَطْلَقَ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُوصِي عَنْ الْمُوصِي جَازَ إنْ قَالَ أَوْصِ عَنِّي أَوْ عَنْ نَفْسِك أَوْ أَطْلَقَ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُوصِي عَنْ الْمُوصِي لَا عَنْ نَفْسِهِ سَوَاءٌ عَيَّنَ مَنْ يُوصِي إلَيْهِ أَمْ لَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي وَعِنْدَ الْقَبُولِ أَيْضًا لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَالْحُرِّيَّةُ) أَيْ وَلَوْ مَآلًا كَمُدَبَّرٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ، فَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ لَهُمَا لِكَمَالِهِمَا بِمَوْتِ الْمُوصِي.

قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ) أَيْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَقَضِيَّةُ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَدَالَةِ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَتُهُ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي عِبَارَتِهِمْ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَلْيُرَاجَعْ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَاهِرَةً) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ زي. وَقَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ " أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ، وَقَوْلُهُ: " مُطْلَقًا " أَيْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي عَدَالَتِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. كَالشَّارِحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَعَدَالَةٌ وَلَوْ ظَاهِرَةً فَلَا تَصِحُّ لِفَاسِقٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْوِلَايَةِ، وَلَوْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي عَدَالَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ عَدَاوَةٍ) أَيْ ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَدَاوَةٍ أَيْ دُنْيَوِيَّةٍ لَا دِينِيَّةٍ، لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْكَافِرَ الْعَدْلَ فِي دِينِهِ يَكُونُ وَصِيًّا عَلَى كَافِرٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيُتَصَوَّرُ وُقُوعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>