للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ، وَرَاعَتْ شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْحُرِّ بِالْأَرْبَعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْأُلْفَةُ وَالْمُؤَانَسَةُ، وَذَلِكَ يَفُوتُ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّهُ بِالْقَسْمِ يَغِيبُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ اهـ. وَقَدْ تَتَعَيَّنُ الْوَاحِدَةُ لِلْحُرِّ وَذَلِكَ فِي كُلِّ نِكَاحٍ تَوَقَّفَ عَلَى الْحَاجَةِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تِسْعٍ مَثْنَى بِاثْنَيْنِ. وَثُلَاثَ بِثَلَاثٍ، وَرُبَاعَ بِأَرْبَعٍ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ تِسْعٌ. وَبَعْضٌ مِنْهُمْ قَالَ: تَدُلُّ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ وَرُبَاعَ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةٍ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ. وَهَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ.

تَنْبِيهٌ اُسْتُفِيدَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْحَرَائِرِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِمَاءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، سَوَاءٌ كُنَّ مَعَ الْحَرَائِرِ أَوْ مُنْفَرِدَاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] .

(وَ) يَجُوزُ (لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتْبَةَ نَقَلَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

السَّرَارِيِّ، وَقِيلَ: كَانَ لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِائَةُ امْرَأَةٍ.

وَمَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تِسْعٍ، وَهُنَّ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَصْفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ، هَذَا تَرْتِيبُ تَزْوِيجِهِ إيَّاهُنَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. وَمَاتَ وَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي رَيْحَانَةَ هَلْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً وَهَلْ مَاتَتْ قَبْلَهُ أَوْ لَا؟ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ قَتَادَةَ: «تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَجَمَعَ بَيْنَ إحْدَى عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ» . وَسَرَدَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي السِّيرَةِ مَنْ دَخَلَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا ثَلَاثِينَ؛ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ... إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمُكْرَمَاتُ وَتُنْسَبُ

فَعَائِشَةُ مَيْمُونَةُ وَصْفِيَّةُ ... وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ

جُوَيْرِيَةُ مَعَ رَمْلَةَ ثُمَّ سَوْدَةُ ... ثَلَاثٌ وَسِتٌّ ذِكْرُهُنَّ مُهَذَّبُ

قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْغَيْرَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى فَسَادِ الْعِشْرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْحُرِّ بِالْأَرْبَعِ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَحِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْأَرْبَعِ كَمَا قِيلَ إنَّ غَالِبَ أُمُورِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّثْلِيثِ وَتَرْكِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الطَّهَارَاتِ وَإِمْهَالِ مُدَّةِ الشَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَوْ زِيدَ هُنَا عَلَى الْأَرْبَعِ لَكَانَتْ نَوْبَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ لَا تَعُودُ إلَّا بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ مُرَاعَاةُ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِنْسَانِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْهَا أَنْوَاعُ الشَّهْوَةِ. وَرَدَّ بَعْضُهُمْ هَذِهِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا فِي الرَّقِيقِ مَعَ تَمَامِ الْأَخْلَاطِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحِكْمَةَ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا.

قَوْلُهُ: (مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ) وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ الْعَدْلُ وَالْوَصْفُ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُبَاحَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ لَا مَجْمُوعُهَا الَّذِي هُوَ تِسْعَةٌ وَلَا اثْنَانِ مِنْهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَدْفُوعٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: أَمْسِكْ إلَخْ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنْ يَنْكِحَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً وَلَا يَجْمَعُ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ. وَالْوَاوُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى أَوْ وَالتَّكْرَارُ فِيهَا غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ بِمَنْزِلَةِ وَاوِ النَّسَقِ جَازَ هُنَا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَنْزِلَةِ أَوْ.

وَقِيلَ: إنَّ الْوَاوَ أَفَادَتْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِسْمًا مِنْ هَذِهِ بِحَسْبِ حَالِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ اثْنَيْنِ فَاثْنَيْنِ إلَخْ لَا أَنَّهُ يَضُمُّ عَدَدًا. وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ.

قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] أَيْ أَوْ اقْتَصِرُوا عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>