للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعْتُبِرَ التَّمْيِيزُ، وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ نِيَّةِ الرَّفْعِ الْمَارِّ لِبَقَاءِ حَدَثِهِ، وَيُنْدَبُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أَوْ نَحْوُهَا لِلَّاحِقِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ قَدْ جَمَعَ فِي نِيَّتِهِ بَيْنَ مُبْطِلٍ وَغَيْرِهِ، وَيَكْفِيهِ أَيْضًا نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَنَحْوُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ.

تَنْبِيهٌ: حُكْمُ نِيَّةِ دَائِمِ الْحَدَثِ فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا حُكْمُ نِيَّةِ الْمُتَيَمِّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَأَغْفَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ بَعْدَ وُضُوئِهِ فِي حَدَثِهِ احْتِيَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا لَمْ يُجْزِهِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ بِلَا ضَرُورَةٍ، كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةَ الظُّهْرِ مَثَلًا شَاكًّا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكْفِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ حَدَثُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ صَلَاةً لَا سَبَبَ لَهَا كَمَا اسْتَوْجَهَهُ سم فِي الصُّورَتَيْنِ. قَالَ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَصَدَ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا، أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْجُمْلَةِ كَاَلَّتِي لَهَا سَبَبٌ وَنَحْوُ الْقَضَاءِ فَيَصِحُّ. اهـ.

وَفِي فَتَاوَى م ر الصِّحَّةُ فِيمَا لَوْ نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ صَلَاةٌ لَا سَبَبَ لَهَا. اهـ اج.

قَوْلُهُ: (سَلَسُ بَوْلٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ لِلْمَرَضِ نَفْسِهِ، وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِصَاحِبِ الْمَرَضِ وَهُوَ الشَّخْصُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ بَوْلٌ سَلَسٌ أَيْ مُتَتَابِعٌ.

قَوْلُهُ: (كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) أَيْ اسْتِبَاحَةُ مُفْتَقِرٌ إلَى وُضُوءٍ اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (دُونَ نِيَّةِ الرَّفْعِ) أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ، وَمَحَلُّهُ إنْ نَوَى الرَّفْعَ الْعَامَّ، فَإِنْ نَوَى رَفْعًا خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ وَنَوَافِلَ فَيَصِحُّ زِيٌّ.

قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ عِنْدَ نَافِي الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُهُ: الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ دُونَ نِيَّةِ الرَّفْعِ. ثَانِيهَا: الِاكْتِفَاءُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. ثَالِثُهَا: لَا يُكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الَّذِي رُوعِيَ اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لِكَوْنِ نِيَّةِ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ) أَيْ لِرَفْعِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى وَقْتِ النِّيَّةِ، لَا أَنَّ الْحَدَثَ ارْتَفَعَ وَخَلَفَهُ حَدَثٌ آخَرُ، وَكَذَا نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُهَا) كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ.

قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ إلَخْ يَنْدَفِعُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ مُبْطِلٍ) وَهُوَ نِيَّةُ الرَّفْعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أَيْ: فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ النِّيَّةُ لِتَغْلِيبِ الْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضِي. وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِتَكُونَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ) أَيْ فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ اسْتَبَاحَهُ وَمَا دُونَهُ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، فَالنَّفَلُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ الْوُضُوءُ أَوْ فَرْضُ الْوُضُوءِ، فَكَذَلِكَ أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ حَمْلِهِ اسْتَبَاحَ مَا عَدَا الصَّلَاةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ دَائِمَ الْحَدَثِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ نِيَّتِهِ وَهَذَا فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ بِنِيَّتِهِ كَمَا أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي حُكْمُهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الصَّلَوَاتِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا الطَّوَافُ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ) الْمُرَادُ بِالْإِضَافَةِ هُنَا النِّسْبَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي وَأَعَادَهَا هُنَا لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ وَلِأَجْلِ ذِكْرِ نَظِيرَتِهَا.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ وُضُوئِهِ) ظَرْفٌ لِلشَّاكِّ. وَقَوْلُهُ: (فِي حَدَثِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّاكِّ وَقَوْلُهُ: (بَعْدَ وُضُوئِهِ) أَيْ الْمُتَيَقِّنُ فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ لِلطَّهَارَةِ وَشَاكٌّ فِي الْحَدَثِ فَوُضُوءُهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ تَرَكَهُ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ: (فَبَانَ مُحْدِثًا) فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ هَلْ يَكُونُ تَجْدِيدًا أَوْ لَا. وَكَذَا إذَا بَانَ كَوْنُهُ مُتَطَهِّرًا هَلْ يَكُونُ تَجْدِيدًا، وَهَلْ يَكُونُ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ مُسْتَعْمَلًا نَظَرًا لِلتَّرَدُّدِ أَوْ لَا؟ حَرِّرْ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ تَجْدِيدًا، وَمَاؤُهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ.

قَوْلُهُ: (لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ) أَيْ لِشَكِّهِ فِي الْحَدَثِ.

قَوْلُهُ: (بِلَا ضَرُورَةٍ) أَيْ بِلَا دَوَامِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ انْقَطَعَتْ بِتَبَيُّنِ حَدَثِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً) لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لَهُ حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَحَقَّقَ اسْتِقْرَارُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ وَيَشُكَّ هَلْ قَضَاهَا أَوْ لَا؟ وَيَتَحَقَّقُ الْحَدَثُ وَيَشُكُّ هَلْ تَطَهَّرَ أَوْ لَا؟ . وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْأُولَى وَالْوُضُوءُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ بِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَشُكَّ هَلْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>