مَنْدُوبًا. وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ فَصَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا طَمَعَةٌ فِي الْآخَرِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى مَحَارِمِهَا وَحُكْمُهُ كَعَكْسِهِ، فَتَنْظُرُ مِنْهُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَمِنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَنَظَرِهِ إلَيْهَا وَمِنْهَا نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ، فَيَحِلُّ بِلَا شَهْوَةٍ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ فَيَحْرُمُ، وَمِنْهَا نَظَرُ الْأَمْرَدِ وَهُوَ الشَّابُّ الَّذِي لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَسَنَّ وَلَا شَعْرَ بِوَجْهِهِ أَمْرُدُ بَلْ يُقَالُ لَهُ ثَطٌّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهَا، أَيْ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ لَهَا شَرْعًا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا فِيهِ كُلْفَةٌ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا سُورَةً قَصِيرَةً أَوْ آيَاتٍ يَسِيرَةً يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ تُشْتَهَى، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ لِلْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " تَحْرِيرِ الْمَقَالِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مُؤَدِّبُ الْأَطْفَالِ ": وَيَتَأَكَّدُ عَلَى الْمُعَلِّمِ صَوْنُ نَظَرِهِ عَنْ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ مَا أَمْكَنَ وَإِنْ جَازَ لَهُ بِأَنْ كَانَ لِمَحْضِ التَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ؛؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّاهُ إلَى رِيبَةٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَيَتَعَيَّنُ فَطْمُ النَّفْسِ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ، عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّتِنَا قَالُوا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ إلَّا إنْ كَانَ فَرْضًا عَيْنِيًّا كَالْفَاتِحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ تَعْلِيمِ الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَتَبِعْتهمْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: كَشَفْت كُتُبَ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا جَوَازُ التَّعْلِيمِ إلَّا لِلْوَاجِبِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (طَمَعَةٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ اسْمٌ لِلْمَرَّةِ مِنْ الطَّمَعِ وَفِي الْقَامُوسِ طَمِعَ فِيهِ وَبِهِ كَفَرِحَ طَمَعًا وَطَمَاعًا وَطَمَاعِيَةً حَرَصَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَامِعٌ وَطَمِعٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى مَحَارِمِهَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ) أَيْ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ بِلَا شَهْوَةٍ اتِّفَاقًا. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ فَخِذُ الرَّجُلِ بِشَرْطِ حَائِلٍ وَأَمْنِ فِتْنَةٍ. وَأُخِذَ مِنْهُ حِلُّ مُصَافَحَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ ذَيْنِك أَيْ مَعَ الْحَائِلِ وَأَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَأَفْهَمَ تَخْصِيصُهُ الْحِلَّ مَعَهُمَا بِالْمُصَافَحَةِ حُرْمَةَ مَسِّ غَيْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِأَحَدِهِمَا كَالنَّظَرِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْحَقُ بِهَا الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُهُمْ حُرْمَةَ مُعَانَقَتِهِ الشَّامِلَةِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ اهـ م ر. وَارْتَضَاهُ النُّورُ الزِّيَادِيُّ، لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى حَائِلٍ رَقِيقٍ أَمَّا لَوْ كَانَ حَائِلًا كَثِيفًا فَلَا تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا نَظَرُ الْأَمْرَدِ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِشَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَنَظَرُ الْأَمْرَدِ أَشَدُّ إثْمًا مِنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ مِنْ أَكَابِرِ السَّلَفِ: لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ الْعَذَارَى وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ، قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ مَعَ أَمْرَدَ فِي مَكَان وَاحِدٍ. وَحَرَّمَ الْعُلَمَاءُ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَمْرَدِ فِي بَيْتٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ حَمَّامٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» وَفِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ لِحُسْنِهِ وَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعَهُ مِنْ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ وَالْقَبَائِحِ مَا لَا يُمْكِنُ مِنْ النِّسَاءِ، وَيَسْهُلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ مَا لَا يَسْهُلُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَكَانَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى وَأَلْيَقَ وَبِالزَّجْرِ عَنْ مُخَالَطَتِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ أَحَقَّ.
وَأَقَاوِيلُ السَّلَفِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ. وَمِنْ الْوُقُوعِ فِي فِتْنَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَكَانُوا - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يُسَمُّونَ الْمُرْدَ الْأَنْتَانَ وَالْجِيَفَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ الشَّرِيفَ وَالدِّينَ الْوَاضِحَ الْمُنِيفَ اسْتَقْذَرَ النَّظَرَ إلَيْهِمْ وَمَنَعَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَالْخَلْوَةِ بِهِمْ لِأَدَائِهَا إلَى الْقَبِيحِ الَّذِي لَا قُبْحَ فَوْقَهُ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ نَظَرُ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ، أَلَا تَرَى إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَكْفِيك بِهِ مِنْ إمَامٍ وَعَالِمٍ وَصَالِحٍ بَلْ انْتَهَتْ إلَيْهِ فِي زَمَنِهِ رِيَاسَةُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَمَعَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْحَمَّامِ أَمْرَدُ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ أَمْرَدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ صَبِيٌّ فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا مِنْك؟ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي، فَقَالَ: لَا تَجِئْ بِهِ إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى وَلَا تَمْشِ مَعَهُ بِطَرِيقٍ لِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُك وَلَا تَعْرِفُهُ سُوءًا. وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -