بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَمْرَدِ كَمَا مَرَّ بَلْ النَّظَرُ إلَى الْمُلْتَحِي وَإِلَى النِّسَاءِ الْمَحَارِمِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ قَطْعًا. وَضَابِطُ الشَّهْوَةِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَأَثَّرَ بِجَمَالِ صُورَةِ الْأَمْرَدِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ مِنْ نَفْسِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلْتَحِي، فَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ وَلَوْ انْتَفَتْ الشَّهْوَةُ وَخِيفَ الْفِتْنَةُ حَرُمَ النَّظَرُ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِوُقُوعِهَا، بَلْ يَكْفِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ نَادِرًا، وَأَمَّا نَظَرُهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ أَيْضًا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ. وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى الْأَمَةِ وَهِيَ كَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَكَانَ فِيهِمْ أَمْرَدُ وَهُوَ حَسَنٌ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ ظَهْرِهِ وَقَالَ: إنَّمَا كَانَتْ فِتْنَةُ دَاوُد مِنْ النَّظَرِ» وَكَانَ يَقُولُ: «النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا» وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ: «إنَّهُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَحْرُمُ صُحْبَةُ الْمُرْدِ وَالْأَحْدَاثِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْآفَاتِ، وَمَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ صَحِبَهُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَحِفْظِ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ فِي مُعَاشَرَتِهِمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالتَّأْدِيبِ وَمُجَانَبَةِ الِانْبِسَاطِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَغْبَةُ الصِّغَارِ فِي صُحْبَةِ الْكِبَارِ تَوْفِيقٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِطْنَةٌ وَسَعَادَةٌ، وَرَغْبَةُ الْكِبَارِ فِي صُحْبَةِ الصِّغَارِ حُمْقٌ وَخِذْلَانٌ وَخَسَارَةٌ وَحِرْمَانٌ وَفِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْقَبِيلِ:
تَاللَّهِ مَا الْمُرْدُ مُرَادِي مَذْهَبًا ... وَإِنَّنِي عَنْ حُبِّهِمْ بِمَعْزِلِ
وَمَذْهَبِي حُبُّ النِّسَاءِ وَإِنَّهُ ... لَمَذْهَبٌ مُهَذَّبٌ قَوْلٌ جَلِيّ
وَلِقَائِلٍ:
لَا تَصْحَبَنَّ أَمْرَدًا يَا ذَا النُّهَى ... وَاتْرُكْ هَوَاهُ وَارْتَجِعْ عَنْ صُحْبَتِهْ
فَهُوَ مَحَلُّ النَّقْصِ دَوْمًا وَالْبَلَا ... كُلُّ الْبَلَاءِ أَصْلُهُ مِنْ فِتْنَتِهْ
وَقَالَ آخَرُ:
لَا تَرْتَجِي أَمْرَدًا يَوْمًا عَلَى ثِقَةٍ ... مِنْ حُسْنِهِ طَامِعًا فِي الْخَصْرِ وَالْكَفَلِ
فَذَاكَ دَاءٌ عُضَالٌ لَا دَوَاءَ لَهُ ... يَسْتَجْلِبُ الْهَمَّ بِالْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الشَّابُّ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الضَّابِطُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرَةً لَاشْتُهِيَتْ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَحَرُمَ نَظَرُ أَمْرَدَ أَيْ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرَدَ مِثْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرَدِ مَنْ لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ وَلَمْ يَصِلْ إلَى أَوَانِ إنْبَاتِهَا غَالِبًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ صَغِيرَةً اُشْتُهِيَتْ. وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ وَلَوْ بِحَائِلٍ حَتَّى عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ، وَالْخَلْوَةُ فَتَحْرُمُ وَإِنْ حَلَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شَعْرَ الْأَمْرَدِ كَبَاقِي بَدَنِهِ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى شَعْرِهِ الْمُنْفَصِلِ كَالْمُتَّصِلِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (الَّذِي لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ) بِأَنْ لَمْ تَصِلْ إلَى أَوَانِ إنْبَاتِهَا غَالِبًا أَيْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِلنَّاسِ لَا نَفْسِهِ اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (أَسَنَّ) أَيْ كَبِرَ.
قَوْلُهُ: (وَضَابِطُ الشَّهْوَةِ فِيهِ إلَخْ) وَضَبْطُهَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ فَيُلْتَذَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفَرْقِ يَحْرُمُ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْهَرَمِ الَّذِي لَا لِحْيَةَ لَهُ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ يَحْرُمُ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْفَرْقَ مَعَ تَأَثُّرِ ذِهْنِهِ وَقَلْبِهِ بِجَمَالِ صُورَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ م ر شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (فَيَحْرُمُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ) أَيْ حَيْثُ لَا مَحْرَمِيَّةَ وَلَا مِلْكَ وَالْخَلْوَةُ كَالنَّظَرِ، فَإِذَا حَلَّ حَلَّتْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِنَحْوِ تَعْلِيمٍ حَيْثُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ مَحْرَمٍ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اهـ. وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْمُعَلِّمُ مَعْصُومًا كَالسَّيِّدِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ وُجُودُ امْرَأَةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ يُعَلِّمُ امْرَأَةً أَوْ لَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا؟ حَرِّرْهُ؛ الظَّاهِرُ لَا، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ فِي الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِطَبْعِ النَّاظِرِ فِيمَا يَظْهَرُ إذًا لَا يَكُونُ مَظِنَّةَ الْفِتْنَةِ إلَّا حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا جَمَالَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهَا فَنِيطَ بِالْأُنُوثَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَّا بِشَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ وَالْكَلَامُ فِي الْجَمِيلِ؛ هَكَذَا ذَكَرَهُ ز ي عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: