وَلَفْظُ مَا يُشْتَقُّ مِنْ تَزْوِيجٍ أَوْ إنْكَاحٍ وَلَوْ بِعَجَمِيَّةٍ يَفْهَمُ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ وَالشَّاهِدَانِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدَانِ الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَلَفْظِ بَيْعٍ وَتَمْلِيكٍ وَهِبَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» وَصَحَّ النِّكَاحُ بِتَقْدِيمِ قَبُولٍ، وَبِزَوِّجْنِي مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَبِتَزَوَّجْتَهَا مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ مَعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زَوْجَةُ الْمُتْعَةِ مِلْكٌ بِيَمِينٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَقَدْ صَارَ مُتَجَاوِزُ هَذَيْنِ مِنْ الْعَادِينَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ بِسَنَدٍ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُنَادِيَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُتْعَةِ وَتَحْرِيمِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَا» فَالْتَفَتَ الْمَأْمُونُ لِلْحَاضِرِينَ وَقَالَ: أَتَحْفَظُونَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ نَادُوا بِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ. قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْأَنْكِحَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُكهَا مُدَّةَ حَيَاتِك أَوْ مُدَّةَ عُمُرِك صَحَّ وَلَيْسَ هَذَا نِكَاحَ مُتْعَةٍ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك أَوْ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ مُدَّةَ حَيَاتِك، وَنَظِيرُهُ مِنْ الْجِزْيَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُدَّةَ حَيَاتِكُمْ أَوْ إلَى أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ.
قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ مَا يُشْتَقُّ مِنْ تَزْوِيجٍ) كَزَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك. وَقَوْلُهُ: " وَلَفْظُ " مَعْطُوفٌ عَلَى " مِنْ " مِنْ قَوْلِهِ: " مَا شَرَطَ ". وَأَطْلَقَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْهُمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي مُضَارِعِهِمَا، ثُمَّ بَحَثَ الصِّحَّةَ إذَا انْسَلَخَ عَنْ مَعْنَى الْوَعْدِ بِأَنْ قَالَ الْآنَ وَكَأَنَا مُزَوِّجُك وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْآنَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّكَلُّمِ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا يُوهِمُ الْوَعْدَ حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِعَجَمِيَّةٍ) أَيْ مَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي هَذِهِ اللُّغَةِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ غَيْرَ لُغَةِ الْعَاقِدِ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (يَفْهَمُ مَعْنَاهَا الْعَاقِدَانِ) وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أَيْ أَخْبَرَهُ بِمَعْنَاهَا قَبْلَ إتْيَانِهِ بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدَانِ الْعَرَبِيَّةَ) الْغَايَةُ فِيهِ أَيْضًا لِلرَّدِّ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَلَفْظِ بَيْعٍ إلَخْ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، حَتَّى إنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي لَفْظِ الْإِجَارَةِ رِوَايَتَانِ؛ وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ اهـ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِإِبَاحَةِ النِّكَاحِ أَيْ عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِمَعْنَاهَا إيجَابًا مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: ٥٠] الْآيَةُ، لَا قَبُولًا مِنْ جِهَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: ٥٠] وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحِلُّ لَهُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ كَمَا فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ زَيْدٍ. وَإِذَا عَقَدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرٌ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا بِالدُّخُولِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إذَا عَقَدَ بِلَا مَهْرٍ ثُمَّ وَطِئَ وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ جَوَّزْتُك بِالْجِيمِ بَدَلَ الزَّايِ أَوْ أَنَأَحْتُكَ بِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْكَافِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لُغَتَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِأَمَانَةِ اللَّهِ) أَيْ بِجَعْلِهِنَّ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ كَالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ عِ ش عَلَى م ر. وَقِيلَ: هِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] قَوْلُهُ: (بِكَلِمَةِ اللَّهِ) وَكَلِمَةُ اللَّهِ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] قَوْلُهُ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ غَيْرُ اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا التَّزْوِيجُ وَالْإِنْكَاحُ، فَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ فِي النِّكَاحِ ضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ ز ي. قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيمِ قَبُولٍ) كَأَنْ يَقُولَ قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ أَوْ تَزْوِيجَهَا أَوْ رَضِيت نِكَاحَ فُلَانَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كَافِيَةٌ فِي الْقَبُولِ، لَا فَعَلْت وَلَا يَضُرُّ مِنْ عَامِّيٍّ فَتْحُ التَّاءِ، وَكَذَا مِنْ الْعَالِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute