وَمِمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ الصِّيغَةُ، وَشَرَطَ فِيهَا مَا شَرَطَ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ. وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعْلِيقِ وَالتَّأْقِيتِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
شَهَادَتُهُمَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْعَدَاوَةُ وَشَهَادَةُ الِابْنِ لِأُمِّهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا زَوْجِيَّةً وَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ مَنْ ذَكَرَ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِوُجُودِ الْمَانِعِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: " فِي الْجُمْلَةِ " أَيْ إذَا شَهِدَا فِي نِكَاحٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَثْبُتُ بِمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ لِلزَّوْجِ أَوْلَادُهُ أَوْ لِلزَّوْجَةِ أَوْلَادُهَا فَلَا يَثْبُتُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ عَدُوَّاهُ أَوْ عَلَيْهَا عَدُوَّاهَا فَلَا يَثْبُتُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ ابْنَاهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا ابْنَاهَا أَوْ شَهِدَ لِلزَّوْجِ عَدُوَّاهُ أَوْ لِلزَّوْجَةِ عَدُوَّاهَا فَيَثْبُتُ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ عَدَمُ التَّعْلِيقِ إلَخْ) وَمِنْهُ: " إنْ شِئْت " كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ فَلَا يَضُرُّ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي الْإِطْلَاقِ، فَانْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعُقُودِ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ لِمَكَانِ النِّيَّةِ الْوَاجِبِ فِيهَا الْجَزْمُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَحَّ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّأْقِيتِ) وَلَوْ إلَى مَا لَا يَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَقَمْت بِمُدَّةِ عُمُرِهِ أَوْ عُمُرِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْوَاقِعِ، وَرَدَّ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِذَلِكَ يَقْتَضِي رَفْعَ آثَارِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَآثَارُ النِّكَاحِ لَا تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ فَرَفْعُهَا بِهِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِأَلْفِ سَنَةٍ؛ قَالَهُ ع ش.
وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ التَّأْقِيتِ إذَا وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَمَّا إذَا تَوَافَقَا عَلَيْهِ قَبْلُ وَتَرَكَاهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، لَكِنْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْمُحَلَّلِ. وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهِيَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إلَى مُدَّةٍ، لَكِنْ لَوْ نَكَحَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَتُهُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ الْمُؤَقَّتُ بِهِ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ لَا التَّوَالُدُ وَالتَّوَارُثُ اللَّذَانِ هُمَا الْغَرَضُ مِنْ النِّكَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ نُسِخَ فِي أَيَّامِ الْفَتْحِ وَاسْتَمَرَّ تَحْرِيمُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ فِيهِ خِلَافٌ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» وَعَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِهَا رَجَعَ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَللَّهِ مَا فَارَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا يَوْمَ عَرَفَةَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتْعَةَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي نُسِخَتْ، الثَّانِي: لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، الثَّالِثُ: الْقِبْلَةُ اهـ. وَقَوْلُهُ: " لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ إلَخْ " أَيْ فَقَدْ حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ، نَقَلَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا أُبِيحَتْ وَحُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَلْيُنْظَرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ سَيِّدُنَا عُمَرُ، وَقِيلَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَأَبَاحَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، أَيْ خَوْفَ الزِّنَا، وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِي كَلَامِ فُقَهَائِنَا. وَالنَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي لَوْ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهَا لِمَنْ خَافَ الزِّنَا مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ وَقَعَتْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ الْقَاضِي يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونِ، فَإِنَّ الْمَأْمُونَ نَادَى بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ فَدَخَلَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَجَلَسَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: مَا لِي أَرَاك مُتَغَيِّرًا؟ قَالَ: لِمَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَمَا حَدَثَ؟ قَالَ: النِّدَاءُ بِتَحْلِيلِ الزِّنَا، قَالَ: الْمُتْعَةُ زِنًا؟ قَالَ: نَعَمْ الْمُتْعَةُ زِنًا، قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: ١] إلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute