للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ مِنْ الْوَلِيِّ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَارِي وَالتَّعَزُّزِ أَنَّ التَّوَارِي الِامْتِنَاعُ مَعَ الِاخْتِفَاءِ وَالتَّعَزُّزَ الِامْتِنَاعُ مَعَ الظُّهُورِ وَالْقُوَّةِ.

قَوْلُهُ: (مَعَ عَضْلِهِ) أَيْ عَضْلًا لَا يَفْسُقُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي إذَا اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، وَأَمَّا الْفَرْعُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا جَارِيَتُهُ الْمُسْلِمَةُ. قَوْلُهُ: (وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ) فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجْبِرٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ هَذَا الْبَيْتَ وَهُوَ:

تَزْوِيجُ مَنْ جُنَّتْ وَلَمْ يَكُ مُجْبِرًا ... بَعْدَ الْبُلُوغِ فَضُمَّ ذَاكَ وَبَادِرِ

وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَعَلَى أَبٍ وَإِنْ عَلَا تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ إلَيْهِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ أَوْ بِتَوَقُّعِ الشِّفَاءِ عِنْدَ إشَارَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِهَا، أَوْ احْتِيَاجِهِ لِلْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ مُؤْنَةِ شِرَاءِ أَمَةٍ، أَوْ بِاحْتِيَاجِ الْأُنْثَى الْمَهْرَ، أَوْ نَفَقَةً؛ فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوَّجَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ الذَّكَرِ تَوْكِيلُهُ أَوْ تَزَوُّجُهُ بِنَفْسِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَبٍ فَالسُّلْطَانِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ لَهُ أَوْ امْتِنَاعِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ وَلَوْ وَصِيًّا تَزْوِيجُ ذِي جُنُونٍ، أَيْ وَاحِدَةً فَقَطْ. وَتَعْوِيلُهُمْ عَلَى الْحَاجَةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ التَّعَدُّدِ، وَبِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ؛ وَرَدَّ بِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ نَادِرٌ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ وَأَمَّا لِلْخِدْمَةِ، فَيُزَادُ بِقَدْرِهَا. وَقَوْلُهُ: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي تَزْوِيجِ الذَّكَرِ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ الْأَبِ ع ش. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ هَلْ يَكُونُ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ وَلَعَلَّ الْأَخِيرَ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ فَحَرِّرْهُ.

وَقَوْلُهُ: " بِكِبَرٍ " أَيْ مَعَ كِبَرٍ أَيْ بُلُوغٍ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. وَقَوْلُهُ: " لِحَاجَةٍ " وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَوْلُهُ: " بِظُهُورِ أَمَارَاتِ " الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بِخِلَافِهَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بِتَوَقُّعِ الشِّفَاءِ أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ لِلْخِدْمَةِ فَهِيَ لِلتَّصْوِيرِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا لِلسَّبَبِيَّةِ. وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ كَابْنِ حَجَرٍ: " أَمَارَةٌ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لَكِنْ تَعْبِيرُهُمْ بِالدَّوَرَانِ يُفِيدُ التَّكَرُّرَ. وَقَوْلُهُ: " لِحَاجَةٍ " فَإِنْ انْتَفَتْ الْحَاجَةُ جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَجْنُونَةَ دُونَ الْمَجْنُونِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَقَوْلُهُ: " عَدْلَيْنِ " قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَوْ فِي الرِّوَايَةِ، وَفِي الْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ: عَدْلَيْ شَهَادَةٍ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ؛ ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ لِلْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِي الْوُجُوبِ عَلَى الْأَبِ مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْعَدْلِ بِالِاحْتِيَاجِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَارِمِ ذِي الْجُنُونِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ إلَخْ " حَالٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: " أَوْ بِاحْتِيَاجِهِ " أَيْ ذِي الْجُنُونِ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا لَوْ وَعَدَتْ بِذَلِكَ قَدْ لَا تَفِي بِهِ، إلَّا أَنَّ دَاعِيَةَ طَبْعِهَا وَمُسَامَحَتِهَا بِهِ غَالِبًا تَقْتَضِي ذَلِكَ فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُهُنَّ يَعُدُّ تَرْكَهُ رُعُونَةً وَحُمْقًا. وَقَوْلُهُ: " وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مُؤْنَةَ النِّكَاحِ أَخَفُّ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً أَوْ مُسَاوِيَةً سَقَطَ الْوُجُوبُ، وَخُيِّرَ فِي الْمُسَاوَاةِ. وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا " مَفْهُومٌ قَوْلُهُ مُطْبِقٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِفَاقَةَ وَإِنْ قَلَّتْ بِحَيْثُ وَسِعَتْ صِيغَةَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ. وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا " مَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَا يُزَوَّجَانِ مَا دَامَا مَجْنُونَيْنِ وَإِنْ أَضَرَّهُمَا عَدَمُ التَّزْوِيجِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّضَرُّرِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ ذَكَرَهُ ع ش. وَبِعَوْدِ جُنُونِهِمَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ. وَفَارَقَا الْمُحْرَمَ بِبَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِ دُونَهُمَا وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ الذَّكَرِ مُبَاشَرَتُهُ لِلْعَقْدِ أَوْ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ حُكْمَ تَزْوِيجِهِ حِينَئِذٍ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا فَحَرِّرْ ذَلِكَ وَانْظُرْ نَقْلًا صَرِيحًا.

قَوْلُهُ: (إذَا دَعَتْ) قَيْدٌ وَبَالِغَةً قَيْدٌ وَعَاقِلَةً قَيْدٌ إلَى كُفْءٍ قَيْدٌ، أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عَضْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَهُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِعَضْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>