تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ. وَكَذَا يُزَوِّجُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ. وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزَوُّجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْمَجْنُونَةَ الْبَالِغَةَ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ:
وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ ... مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ
عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ ... وَكَذَاك غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ
وَكَذَاك إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ ... أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ
إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ ... إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَزْوِيجُ الْأَبْعَدِ عِنْدَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ إلَخْ، فَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ فَالْمُزَوِّجُ هُوَ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُقْ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَلَيْسَ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ فَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَخَرَجَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ مَا دُونَهَا فَلَا يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ إلَّا بِإِذْنِهِ. نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الْوَصْلُ إلَيْهِ لِخَوْفٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. وَالْمُرَادُ مَا دُونَهَا وَقْتَ عَقْدِ الْحَاكِمِ، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ عَقْدِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهُوَ دُونَهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. م د وَلَوْ قَدَّمَ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْتهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُنَا وَلِيٌّ وَالْوَلِيُّ الْحَاضِرُ لَوْ زَوَّجَ فَقَدِمَ آخَرُ غَائِبٌ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْت لَمْ يُقْبَلْ بِدُونِ بَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَكِيلُ الْغَائِبِ. وَالْوَكِيلُ لَوْ بَاعَ فَقَدِمَ مُوَكِّلَهُ وَقَالَ كُنْت بِعْت مَثَلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ حَيْثُ اكْتَفَى فِيهِ بِحَلِفِهِ أَنَّ عَقْدَ الْحَاكِمِ وَقَعَ هُنَا فِي زَمَنِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِتَحَقُّقِ غَيْبَتِهِ وَالْوَلِيُّ أَقْوَى مِنْ الْوَكِيلِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ فِي دَرَجَتِهِ، كَأَنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنُ عَمٍّ وَأَرَادَ التَّزَوُّجَ بِهَا فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا لَهُ الْحَاكِمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهَا ابْنَا عَمٍّ مُسَاوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ بِأَنْ كَانَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَجْنُونَةُ) أَيْ وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ إلَخْ) مِنْ الْكَامِلِ وَلَوْ أَبْدَلَ الْحَاكِمَ بِالْحُكَّامِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَسَلِمَ مِنْ دُخُولِ الطَّيِّ فِيهِ، وَهُوَ حَذْفُ الْحَرْفِ الرَّابِعِ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي وَأَجْزَاؤُهُ مُتَفَاعِلُنْ سِتُّ مَرَّاتٍ.
قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْوَلِيِّ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا. وَقَوْلُهُ وَفَقْدُهُ أَيْ بِأَنْ فُقِدَ الْوَلِيُّ أَيْ غَابَ وَلَمْ يُدْرَ مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَحَلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ حَكَمَ بِمَوْتِهِ انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْآتِي فَإِنَّ مَحَلَّهُ مَعْلُومٌ لِيُخَالِفَ فَقْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَنِكَاحُهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَاك إلَخْ) وَكَذَاك إذَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَاك إغْمَاءٌ) أَيْ إغْمَاءُ الْوَلِيِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ الْمُتَوَلِّي. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر عَدَمُ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ فِي صُورَةِ الْإِغْمَاءِ بَلْ يَنْتَظِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ.
قَوْلُهُ: (وَحَبْسٌ مَانِعٌ) أَيْ مَانِعٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَكَّلَ الْمَحْبُوسُ. قَوْلُهُ: (أَمَةٌ لِمَحْجُورٍ) أَيْ إذَا عَدِمَ الْأَبُ وَالْجَدُّ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْمَحْجُورِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَحْجُورِ هُنَا السَّفِيهَ.
قَوْلُهُ: (تَوَارِي الْقَادِرِ) أَيْ اخْتِفَاؤُهُ وَالْقَادِرُ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَكْمِلَةٌ لِلْبَيْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُكْرَهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ التَّوَارِي بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَا التَّعَزُّزُ الْآتِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (إحْرَامُهُ) أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا، صَحِيحًا كَانَ إحْرَامُهُ أَوْ فَاسِدًا سُيُوطِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَتَعَزُّزٌ) أَيْ تَغَلُّبٌ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ غَيْرِ تَوَارٍ مُتَعَمِّدًا عَلَى الْغَلَبَةِ.