وَأُخْرَى قَبْلَ الْعَقْدِ لِخَبَرِ: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ عَنْ الْبَرَكَةِ، وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ وَلَوْ أَوْجَبَ وَلِيُّ الْعَقْدِ فَخَطَبَ الزَّوْجُ خُطْبَةً قَصِيرَةً عُرْفًا فَقَبِلَ صَحَّ الْعَقْدُ مَعَ الْخُطْبَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدِّمَةُ الْقَبُولِ، فَلَا تَقْطَعُ الْوَلَاءَ كَالْإِقَامَةِ وَطَلَبِ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ لَكِنَّهَا لَا تُسَنُّ، بَلْ يُسَنُّ تَرْكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ.
(وَالنِّسَاءُ) بِالنِّسْبَةِ إلَى إجْبَارِهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ وَعَدَمِهِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ) الْأَوَّلُ (بِكْرٌ) تُجْبَرُ (وَ) الثَّانِي (الثَّيِّبُ) لَا تُجْبَرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَقُولُ: لَسْت بِمَرْغُوبٍ عَنْك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَسَكَتَ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ مَعَ نَدْبِهِمَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً إلَّا بِذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ " أَيْ لِي أَوْ لِابْنِي أَوْ لِزَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ فَتَاتَكُمْ " الْفَتَى الشَّابُّ وَالْفَتَاةُ الشَّابَّةُ وَالْفَتَى أَيْضًا السَّخِيُّ وَالْكَرِيمُ اهـ.
قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَتَبَرَّكَ الْأَئِمَّةُ بِخُطْبَةِ النِّكَاحِ بِمَا رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَةَ الْحَاجَةِ فَلْيَقُلْ: إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: ١] إلَى قَوْلِهِ {رَقِيبًا} [النساء: ١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: ٧٠] {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: ٧١] . . . إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧١] » وَكَانَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الْخُطْبَةُ فِي عَقْدٍ انْصَرَفَ.
وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ وَإِنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنَّهُ خَطَبَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ ابْنَةَ فُلَانٍ عَلَى صَدَاقِ كَذَا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَلَفْظُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ لِعَلِيٍّ ابْنِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ بِنِعْمَتِهِ الْمَعْبُودِ بِقُدْرَتِهِ الْمُطَاعِ بِسُلْطَانِهِ الْمَرْهُوبِ مِنْ عَذَابِهِ وَسَطْوَتِهِ النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ وَسَيَّرَهُمْ بِأَحْكَامِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَجَعَلَ الْمُصَاهَرَةَ سَبَبًا لَاحِقًا وَأَمْرًا مُفْتَرَضًا شَبَّكَ بِهِ الْأَنَامَ وَأَكْرَمَ بِهِ الْأَرْحَامَ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: ٥٤] ، وَلِكُلٍّ قَدَرٍ أَجَلٌ، وَ {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: ٣٨] {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] » الْآيَةُ: ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ عَنْ الْبَرَكَةِ) إنْ قُلْت هَلَّا قَالَ كَمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ. قُلْت: السَّابِقُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَهُوَ أَجْذَمُ وَفِيهِ خَفَاءٌ فَاحْتَاجَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَأَبْقَاهُ عَلَى أَصْلِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْجَبَ وَلِيُّ الْعَقْدِ) فَلَوْ أَوْجَبَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَقَبِلَ الزَّوْجُ سَاكِتًا انْعَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي إسْقَاطِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الزَّوْجُ فَطَرِيقُهُ فِي إسْقَاطِهِ أَنْ يَقْبَلَ سَاكِتًا. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (فَخَطَبَ الزَّوْجُ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَضُرُّ الْفَصْلُ بِخِطْبَةِ أَجْنَبِيٍّ، وَيُشْعِرُ بِهِ أَيْضًا التَّعْمِيمُ فِيمَا قَبْلَهُ مَعَ التَّقْيِيدِ؛ لَكِنَّ صَنِيعَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ أَوْ بِمَا ذَكَرَ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) خَرَجَ الْخُطْبَةُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَجَوَابِهَا فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ أَيْضًا، فَالْمَنْدُوبُ ثَلَاثُ خُطَبٍ الَّتِي قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَلَّتِي بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَجَوَابِهَا.
قَوْلُهُ: (كَالْإِقَامَةِ) أَيْ لِلصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: " بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ " رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الطُّولَ بِأَنْ يَكُونَ زَمَنُهُ فِيهِ لَوْ سَكَتَا فِيهِ لَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا، وَالْأَوْلَى ضَبْطُهُ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضُرُّ الْفَصْلُ بِقَوْلِهِ قُلْ قَبِلْت قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهَا لَا تُسَنُّ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ بِالْبَرَكَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ ز ي.
قَوْلُهُ: (كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ إجْبَارِهِنَّ. قَوْلُهُ: (بِكْرٌ) لَوْ قَالَ أَبْكَارٌ وَثَيِّبَاتٌ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل، أَيْ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأَ وَهُوَ