وَالْمُؤَبَّدُ (بِالنَّصِّ) الْقَطْعِيِّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْآتِيَةِ عَنْ قُرْبٍ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ) وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: قَرَابَةٌ وَرَضَاعٌ وَمُصَاهَرَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ بِقَوْلِهِ: (سَبْعٌ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ يَحْرُمْنَ (بِالنَّسَبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] الْآيَةَ، وَلِمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ: الْأَوَّلُ تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ؛ فَالْأُصُولُ الْأُمَّهَاتُ وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ وُضُوءُهُ حِينَئِذٍ اهـ ق ل. وَاَلَّذِي فِي حَاشِيَتِهِ إذَا تَحَقَّقَتْ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ نُقِضَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ نَقَضَ لَمْسُهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ) اعْتَمَدَهُ م ر. وَهَلْ يُجْبِرُهَا عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ أَوْ لَا وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّشَكُّلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ النَّفْرَةُ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَمْرِ وَلِيِّهَا وَخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا رَآهَا فِي صُورَةٍ غَيْرَ الَّتِي أَلِفَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا هِيَ فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ قُوتِهِمْ كَالْعَظْمِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ الِاقْتِيَاتُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُهُ: " اعْتَمَدَهُ م ر " أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، أَيْ فَيَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ الْجِنِّيَّةِ وَعَكْسُهُ، وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ حِمَارٍ مَثَلًا وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ النِّكَاحِ لِلْإِنْسِيِّ مِنْهُمَا فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْآدَمِيَّةِ لَوْ كَانَتْ زَوْجَةً وَأَمَّا الْجِنِّيُّ مِنْهُمَا فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَحْكَامِنَا ع ش.
قَوْلُهُ: (قَالَ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: ١٨٩] أَيْ وَهِيَ مِنْ الْجِنْسِ. وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّ غَايَةَ مَا تُفِيدُهُ الْآيَةُ أَنَّ زَوْجَةَ آدَمَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالضَّعِيفِ بِأَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ} [النحل: ٧٢] أَيْ خَلَقَ {لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: ٧٢] وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُهَا بَدَلَ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ خَلَقَ أَزْوَاجَنَا مِنَّا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَبِأَنَّ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ لَا يُفَوِّتُ الِامْتِنَانَ بَلْ كَمَالُهُ، وَأَيْضًا مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ مُنَاكَحَةِ الْجِنِّ قَالَ إنَّ الْجِنَّ مِنْ النَّارِ وَالْإِنْسَ مِنْ الطِّينِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُؤَبَّدُ بِالنَّصِّ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ أُخْتَ الزَّوْجَةِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِي مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَخِيرَةَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ تَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا بَلْ لِلْجَمْعِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَذْفُ الْمُؤَبَّدِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُلَّهَا حَرَامٌ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤَبَّدِ وَغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَبَّدَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي آيَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] مَعَ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] فَسَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَاثْنَانِ بِالرَّضَاعِ وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] وَأَرْبَعٌ بِالْمُصَاهَرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِلتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ.
قَوْلُهُ: (بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ) فِي إدْخَالِ الرَّضَاعِ فِي الْقَرَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الضَّابِطِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ ق ل؛ لِأَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ لَا يَدْخُلُ فِيهِنَّ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الضَّابِطِ مَعْطُوفًا مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ أَيْ وَالرَّضَاعِ.
وَقَوْلُهُ: " إلَّا مَنْ دَخَلَتْ إلَخْ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي وَلَدُ الْعُمُومَةِ أَوْ الْخُؤُولَةِ وَلَوْ مِنْ الرَّضَاعِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (ضَابِطَانِ) الضَّابِطُ الْأَوَّلُ لِأَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَالثَّانِي لِأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ) أَيْ غَيْرَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَوَّلَ فَصْلٍ