للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالنِّيَّةُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِمَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ حَقِيقَةً، وَلَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَ أَوَّلِهِ كَفَتْ وَوَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْسُولِ مِنْهُ قَبْلَهَا، فَوُجُوبُهَا عِنْدَ أَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْهُ لِيُعْتَدَّ بِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الِاسْتِصْحَابِ الذِّكْرِيِّ. أَمَّا الْحُكْمِيُّ وَهُوَ أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا وَلَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا كَالرِّدَّةِ فَوَاجِبٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَهُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، بِأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ، فَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَفْعَالِهِ وَهَلْ تَنْقَطِعُ النِّيَّةُ بِنَوْمٍ مُمْكِنٍ؟ . وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا وَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يَحِلُّ كُلَّ الْبَدَنِ بَلْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ خَاصَّةً كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ مُطَهَّرًا وَيَرْتَفِعَ حَدَثُ كُلِّ عُضْوٍ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ. .

(وَ) الثَّانِي مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ) ظَاهِرِ كُلِّ (الْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] وَلِلْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَضْمَضَةُ. قَوْلُهُ: (مُجَلَّى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (الذِّكْرِيُّ) بِضَمِّ الذَّالِ أَيْ الْقَلْبِيُّ؛ لِأَنَّ الذُّكْرَ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعَلَّمُ أَيْ حُضُورُهَا فِي الْقَلْبِ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ مُلَاحِظًا لَهَا.

قَوْلُهُ: (كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الشُّرُوطِ أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَعَدَمُ الصَّارِفِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِدَوَامِ النِّيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ الْمُتَوَضِّئُ وَلَوْ دَائِمَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ. وَفَائِدَةُ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِإِدْخَالِ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ قَبْلَ نِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهَا أَيْ لَهُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ بِسَائِرِ صُوَرِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ كَأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ مَثَلًا عَنْ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ: عِنْدَ الْمَسْنُونِ كَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْهَا نَوَيْت مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ عَنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَتَفْرِيقُ النِّيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَلَا بِالطَّهَارَةِ عَنْهُ، بَلْ يَأْتِي فِي جَمِيعِ النِّيَّاتِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّفْرِيقَ يَأْتِي فِي الْغُسْلِ. اهـ. وَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ لِكَوْنِ الْبُدْنِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، فَيَنْوِي رَفْعَ جَنَابَةِ رَأْسِهِ فَقَطْ ثُمَّ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ أَسْفَلِهِ. وَانْظُرْ عَلَى قِيَاسِهِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ النِّيَّةَ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ حَدَثِ كَفِّهِ ثُمَّ سَاعِدِهِ؟ . حَرِّرْهُ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ ع ش. وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بَيْنَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا نَحْوُ نِيَّةِ تَبَرُّدٍ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَنْفِيَ غَيْرَ ذَلِكَ الْعُضْوِ كَأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ لَا غَيْرِهِ أَوْ لَا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُمَا كَفَاهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِلنِّيَّةِ عِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ إذْ نِيَّتُهُ عِنْدَ يَدَيْهِ الْآنَ كَنِيَّتِهِ عِنْدَ وَجْهِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ نَوَى عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَصِحُّ وَتَكُونُ كُلُّ نِيَّةٍ مُؤَكِّدَةً لِمَا قَبْلَهَا أَوْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ تَقْطَعُ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي أَثْنَائِهَا بِأَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْهُ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَاطِعًا قَدْ يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ أَضْيَقُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْرِيقُ نِيَّتِهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ لِكَوْنِهَا هَيْئَةً وَاحِدَةً إذَا نَوَى قَطْعَهَا بَطَلَتْ مِنْ أَصْلِهَا، وَالْوُضُوءُ إذَا نَوَى قَطْعَهُ بَطَلَتْ نِيَّتُهُ دُونَ مَا مَضَى مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ. اهـ.

قَوْلُهُ: (رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ) الظَّرْفُ أَعْنِي قَوْلَهُ عَنْهُ قَيْدٌ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّفْرِيقِ لِشُمُولِ النِّيَّةِ لِمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَ النِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، بِخِلَافِ تَفْرِيقِ أَفْعَالِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ كَمَا لَهُ تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ. اهـ. قَالَ الْبُرُلُّسِيُّ: هَذَا خَاصٌّ بِالسَّلِيمِ أَمَّا السَّلِسُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ السَّلِيمِ وَالسَّلِسِ. اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْجَهُهُمَا لَا) وَإِنْ طَالَ اهـ. م ر. قَوْلُهُ: (بَلْ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ خَاصَّةً) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا حَدَثَ بِظَهْرِهِ مَثَلًا. فَإِنْ قُلْنَا: الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ حَنِثَ أَوْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ) وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِذَلِكَ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَسِّ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ.

قَوْلُهُ: (ظَاهِرِ كُلِّ الْوَجْهِ إلَخْ) فِي فَتَاوَى م ر لَوْ اُبْتُلِيَ بِالْكُحْلِ وَغَيَّرَ مَاءَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ يَضُرَّ. اهـ. قَالَ بَعْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>