(و) تَحْرُمُ (زَوْجَةُ الْأَبِ) وَهُوَ مَنْ وَلَدَك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَبًا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ. (و) تَحْرُمُ (زَوْجَةُ الِابْنِ) وَهُوَ مَنْ وَلَدْته بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُك بِهَا، لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: ٢٣] .
تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ؛ أَمَّا النَّسَبُ فَلِلْآيَةِ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: ٢٣] فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَنْطُوقٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ إخْرَاجُ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنَّى فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ، وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا بِنْتُ زَوْجِ الْبِنْتِ وَلَا أُمُّهُ وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ الْأَبِ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَكَذَا زَوْجَةُ الِابْنِ. وَالتَّقْيِيدُ فِي الْآيَةِ لِإِخْرَاجِ زَوْجَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ كَمَا يَأْتِي. وَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطَ لَفْظِ تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمِّ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ ق ل. وَخَرَجَ بِزَوْجَةِ الْأَبِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي زَوْجَةِ الِابْنِ.
قَوْلُهُ: (مَا نَكَحَ) ذَكَرَ مَا دُونَ مِنْ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ، أَيْ مَنْكُوحَةُ آبَائِكُمْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) هُوَ مُنْقَطِعٌ؛ أَيْ، لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ، فَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِغَيْرِ شَرْعٍ. وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا نُؤَاخَذُ بِمَا وَقَعَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (زَوْجَةُ الِابْنِ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَهُوَ شَامِلٌ لِزَوْجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ، فَتَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مَنْ وَلَدَهُ بِوَاسِطَةٍ؛ إذْ الْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِزَوْجَةِ الْوَلَدِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَهُوَ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: " بَنُونَا " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبَاعِدِ الْأَجَانِبُ.
قَوْلُهُ: (فَلِلْآيَةِ) أَيْ جِنْسِهَا وَإِلَّا فَهُنَاكَ آيَتَانِ، إحْدَاهُمَا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] وَالْأُخْرَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: ٢٣] .
قَوْلُهُ: (فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ) وَهُوَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» .
قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: الْمَفْهُومُ هُنَا خَاصٌّ وَالْقَاعِدَةُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْعَامِّ. قُلْت: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ زَوْجَةِ الِابْنِ رَضَاعًا. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي عَشْرِ مَسَائِلَ لَا تَحْرُمُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَا زِيَادَةُ إيضَاحٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ مَفَاهِيمِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " زَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ " وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَلْغَازٍ مِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ؛ وَصُورَةُ ذَلِكَ رَجُلَانِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا فَكُلٌّ مِنْ ابْنَيْهِمَا عَمُّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ.
وَمِنْهَا امْرَأَتَانِ الْتَقَتَا بِرَجُلَيْنِ فَقَالَتَا مَرْحَبًا بِابْنَيْنَا وَزَوْجَيْنَا وَابْنَيْ زَوْجَيْنَا؛ وَصُورَتُهُ رَجُلَانِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْكِحَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ خَالُ الْآخَرِ، وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا ابْنُ خَالِ الْآخَرِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ