وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا كَرَضَاعٍ وَرُجُوعِ شُهُودٍ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ صَدَقَةٌ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَنَطَقَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مِنْهَا بِسِتَّةٍ الصَّدَقَةُ وَالنِّحْلَةُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] وَنِكَاحٌ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: ٣٣] وَأَجْرٌ {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٥] وَفَرِيضَةٌ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: ٢٤] وَطَوْلٌ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: ٢٥] وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْبَاقِي وَالْعُقْرُ بِالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِدِيَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَهْرِ وَقِيلَ الصَّدَاقُ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ
قَوْلُهُ (أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْكَسْرُ أَفْصَحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ قَوْلُهُ (مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِمْ مَالٌ لِأَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ نَعَمْ شُمُولُهُ لِلِاخْتِصَاصِ لَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ صَدَاقًا وَهَذَا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ فَهُوَ مَا وَجَبَ بِالنِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعَمُّ مِنْ اللُّغَوِيِّ عَكْسُ الْمَشْهُورِ أَيْ وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ تَسْمِيَتِهِ صَدَاقًا لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةٍ بَاذِلِهِ فِي النِّكَاحِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَشْمَلُ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ قَهْرًا أَوْ مَا وَجَبَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر فَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ التَّفْوِيضُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأً بِالْفَرْضِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ فَشَمِلَهُ قَوْلُهُ هُنَا بِنِكَاحٍ أَيْ مَا كَانَ أَصْلُهُ النِّكَاحُ وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالتَّمْكِينِ
وَالْمُرَادُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ أَمَّا الْفَاسِدُ فَيَسْتَقِرُّ بِالْوَطْءِ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَطْءٍ فِيهِ فَلَا اسْتِقْرَارَ وَلَا إرْثَ كَمَا قَالَ الرَّحْمَانِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّيْرَبِيُّ نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمَهْرَ قَدْ يَجِبُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ وَقَدْ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لِامْرَأَةٍ زَوْجَتَيْنِ بِإِذْنِهَا وَأَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكُبْرَى زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِإِرْضَاعِهَا وَيَكُونُ الْمَهْرُ لِسَيِّدَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَقَدْ يَجِبُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْكُبْرَى زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى فَيَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُهَا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ بُضْعَهَا وَنِصْفُ مَهْرٍ لِلصَّغِيرَةِ ق ل وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا نِصْفُ مَهْرٍ لِلصَّغِيرَةِ. اهـ.
قَوْلُهُ (أَوْ وَطْءٍ) أَيْ فِي شُبْهَةٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ فَلَا يَجِبُ بِاسْتِدْخَالِ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْقُبُلِ وَلَا بِنَحْوِ خَلْوَةٍ وَلَوْ فِي نَحْوِ رَتْقَاءَ كَمَا يَأْتِي وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا يُوجِبُ الْمَهْرَ وَلَعَلَّهُ يُفَارِقُ الذَّكَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ كَالْبَهِيمَةِ أَوْ يُخَصُّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ بِكَوْنِهِ فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْعَقْدِ فِيهَا فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (كَرَضَاعٍ) كَأَنْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى بِأَنْ كَانَتْ دُونَ سَنَتَيْنِ وَأَرْضَعَتْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْكُبْرَى صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِلصَّغِيرَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَهْرُهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ نِكَاحُهَا مَعَ الْوَطْءِ عَنْ غَيْرِ مَهْرٍ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ
قَوْلُهُ: (وَرُجُوعِ شُهُودٍ) بِأَنْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ شَهَادَةَ حِسْبَةٍ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَمِنْ صُوَرِ رُجُوعِ الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدَا بِأَنَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَيَغْرَمَانِ الْمَهْرَ لِلتَّفْوِيتِ وَلَا يَعُودُ النِّكَاحُ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ لَا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَمَحَلُّ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَيْهِمْ بِشُرُوطٍ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُمْ وَأَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى حَيٍّ وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ عَدَمُ النِّكَاحِ بِالْمَرَّةِ فَإِنْ شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ مَثَلًا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا غُرْمَ أَيْضًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَرُجُوعِ شُهُودٍ أَنَّهُ مِثَالٌ لِلتَّفْوِيتِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْبُضْعِ حَصَلَ بِالشَّهَادَةِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute