للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] أَيْ عَطِيَّةً مِنْ اللَّهِ مُبْتَدَأَةً وَالْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْأَزْوَاجُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ الْأَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذُونَهُ وَيُسَمُّونَهُ نِحْلَةً؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَمْتِعُ بِالزَّوْجِ كَاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا أَوْ أَكْثَرَ، فَكَأَنَّهَا تَأْخُذُ الصَّدَاقَ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ. وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٥] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(وَيُسْتَحَبُّ) لِلزَّوْجِ (تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ) لِلزَّوْجَةِ (فِي) صُلْبِ (النِّكَاحِ) أَيْ الْعَقْدِ؛ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْلِ نِكَاحًا عَنْهُ» ، وَلِأَنَّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِالرُّجُوعِ عَنْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَاوُ بِمَعْنًى أَوْ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَفْوِيتِ فَيَكُونُ مِثَالًا لِوُجُوبِ الصَّدَاقِ لَا لِتَفْوِيتِ الْبُضْعِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَمْ يَجِبْ بِرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: (وَآتُوا) الْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ شَرْعًا لِشُعَيْبٍ لِآيَةِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] أَيْ سِنِينَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (صَدُقَاتِهِنَّ) مَفْعُولٌ ثَانٍ وَنِحْلَةً حَالٌ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ قَوْلُهُ: (مُبْتَدَأَةً) بِالنَّصْبِ صِفَةً لِعَطِيَّةٍ أَيْ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَمْتِعُ بِالرَّجُلِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ هُوَ بِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَمْتِعُ بِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ بِخُرُوجِ مَنِيِّهَا وَتَرَدُّدِ الذَّكَرِ وَسَرَيَانِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فِي رَحِمِهَا وَأَمَّا هُوَ فَيَلْتَذُّ بِالْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقْوَى كَسْبًا مِنْهَا

(فَائِدَةٌ) إذَا قَلَّدَ شَخْصٌ الْحَنَفِيَّ وَعَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي مَذْهَبِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ مَذْهَبِ غَيْرِهِ وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا بِلَا مُحَلِّلٍ قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: (وَيُسَمُّونَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى وَيُسَمَّى لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَرْأَةَ) تَعْلِيلٌ لِلتَّسْمِيَةِ قَوْلُهُ: (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أَيْ مُهُورَهُنَّ قَوْلُهُ: (لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلِيُّ إذْ الزَّوْجُ يُرِيدُ التَّزَوُّجَ مَعَ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ هُوَ الزَّوْجُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمُرِيدِ التَّزَوُّجِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لِمُرِيدِ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ لَهُ وَلِذَا قَالَ الْتَمِسْ أَيُّهَا الطَّالِبُ التَّزَوُّجَ شَيْئًا تَجْعَلُهُ صَدَاقًا إلَخْ وَالْقِصَّةُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ هَلْ مَعَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ فَقَالَ مَعِي إزَارِي فَقَالَ إنْ أَعْطَيْتهَا إزَارَك جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك فَقَالَ الْتَمِسْ أَيْ اُطْلُبْ شَيْئًا مِنْ النَّاسِ تَجْعَلُهُ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَ مَا تَلْتَمِسُهُ أَيْ تَطْلُبُهُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَصْدِقْهَا إيَّاهُ» فَتَزَوَّجَهَا بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ وَلَوْ خَاتَمًا هَذَا غَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْخَاتَمِ

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَيُكْرَهُ إخْلَاؤُهُ عَنْهُ، وَقَدْ يَجِبُ كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْقَاصِرَةَ وَلِيُّهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ سَكَتَ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ م د.

قَوْلُهُ: (لِلزَّوْجِ) لَوْ قَالَ لِلْعَاقِدِ كَانَ أَوْلَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَيَّدَ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ تَارَةً يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ وَتَارَةً يَجِبُ، وَالْمَفْهُومُ الَّذِي فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (فِي صُلْبِ النِّكَاحِ) أَيْ أَثْنَاءِ الْعَقْدِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّوَافُقِ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ فِي اسْتِحْبَابٍ أَوْ الْتِزَامٍ، حَتَّى لَوْ خَالَفَ الْمُسَمَّى فِيهِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ هُوَ أَيْ النِّكَاحَ الْمُعْتَبَرَ سم. وَالصُّلْبُ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُضَمُّ لِلْإِتْبِاعِ وَأَصْلُهُ لُغَةً كُلُّ ظَهْرٍ لَهُ فَقَارٌ أَيْ عِظَامٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>