للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و) إنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً بِأَنْ قَالَتْ رَشِيدَةٌ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَفَعَلَ (وَجَبَ الْمَهْرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا: الْأَوَّلُ: (أَنْ يَفْرِضَهُ) أَيْ يُقَدِّرَهُ (الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ) قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِيُفْرَضَ لَهَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا وَلَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ الْحَالِّ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُفَوِّضَةً) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إصْلَاحِ الْمَتْنِ، إذْ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ إنَّمَا يَأْتِي فِي الْمُفَوِّضَةِ لَا فِي غَيْرِهَا، إذْ الْوُجُوبُ فِي غَيْرِهَا بِالْعَقْدِ؛ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى الْمُفَوِّضَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَإِذَا خَلَا الْعَقْدُ إلَخْ " غَرَضُهُ بِهَذَا إصْلَاحُ الْمَتْنِ، فَإِنَّ الْمَتْنَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِي الْعَقْدِ صَدَاقٌ لَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْوِيضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا لَمْ يُسَمِّ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَكُنْ تَفْوِيضٌ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَرْضٍ وَلَا وَطْءٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفْوِيضٌ فَلَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ وَهَذِهِ هِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً) سُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَفْوِيضِ أَمْرِهَا إلَى الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهَا أَمْرُ بُضْعِهَا وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَبِفَتْحِهَا لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ أَيْ جَعَلَ لَهُ دَخْلًا فِي إيجَابِهِ إلَى فَرْضِهِ أَوْ إلَى الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَالَتْ رَشِيدَةٌ) وَمِثْلُهَا السَّفِيهَةُ الْمُهْمَلَةُ زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ هُمَا قَيْدَانِ. وَقَوْلُهُ " فَفَعَلَ " أَيْ زَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ قَيْدٌ آخَرُ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ تَصْوِيرِ التَّفْوِيضِ وَهُوَ قَاصِرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَكَتَ أَوْ زَوَّجَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَفِي ذَلِكَ يَلْغُو مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ وَيَكُونُ تَفْوِيضًا، وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْمَتْنِ، فَخَرَجَ بِالرَّشِيدَةِ مَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ سَفِيهَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَرْضٍ أَوْ وَطْءٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " زَوِّجْنِي " مَا لَوْ لَمْ تَأْذَنْ وَكَانَتْ مُجْبَرَةً فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يُقَالُ لَهَا مُفَوَّضَةٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهَا " بِلَا مَهْرٍ " مَا لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. وَهَذَا تَفْوِيضُ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْأَمَةِ فَلَهُ صُورَتَانِ: أَنْ يَقُولَ سَيِّدُهَا زَوَّجْتُكهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ يَسْكُتُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ قَوْلٌ مِنْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلسَّيِّدِ. وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا يَكُونُ تَفْوِيضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَهُ لَا لَهَا، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ: صَحَّ تَفْوِيضُ رَشِيدَةٍ بِقَوْلِهَا لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ لَا بِمَهْرِ مِثْلٍ بِأَنْ نَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ أَوْ زَوَّجَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ اهـ.

وَقَوْلُهُ " رَشِيدَةٌ " أَيْ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا لِتَدْخُلَ السَّفِيهَةُ الَّتِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا إذْ هِيَ رَشِيدَةٌ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ " بِلَا مَهْرٍ " سَوَاءٌ اقْتَصَرَتْ عَلَى ذَلِكَ أَمْ زَادَتْ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَوْلُهُ " فَزَوَّجَ لَا بِمَهْرِ " مِثْلٍ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ مُلْغَاةٌ مِنْ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوَافِقْ الْإِذْنَ وَلَا الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَا يُقَالُ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ، عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْفَاسِدَةَ إنَّمَا تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يُؤْذِنْ فِي تَرْكِ الْمَهْرِ فَكَانَ هَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ التَّسْمِيَةِ أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْوِيضٌ مِنْ الْمَرْأَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَجَبَ) هَذَا جَوَابُ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً " وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً " مِنْ الْمَتْنِ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ: وَوَجَبَ الْمَهْرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَقَدْ أَصْلَحَهُ الشَّارِحُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُهُ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) نَعَمْ لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ مُفَوِّضَةً ثُمَّ أَسْلَمَا وَاعْتِقَادُهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِلْمُفَوِّضَةِ بِحَالٍ ثُمَّ وَطِئَ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ بَاعَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ سم، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا وَقَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ أَيْ وَهُمَا حَرْبِيَّانِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَمَرَّ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ لَا الذِّمِّيِّينَ لَوْ اعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. لَا يُقَالُ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أَوْجَبْنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُسْلِمَا فَكَيْفَ لَا نُوجِبُهُ إذَا أَسْلَمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الذِّمِّيِّينَ وَالذِّمِّيُّ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ وَمَا هُنَا فِي الْحَرْبِيِّينَ وَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ بَاعَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا " أَيْ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا لِلْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا) فِيهِ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا يَجِبُ مَهْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>