للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَيْسَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ حَدٌّ) بَلْ ضَابِطُهُ كُلُّ مَا صَحَّ كَوْنُهُ مَبِيعًا عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا صَحَّ كَوْنُهُ صَدَاقًا وَمَالًا فَلَا، فَلَوْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابِلُ بِمُتَمَوَّلٍ كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَيُرْجَعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا أَصْدَقَهَا ثَوْبًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ إلَخْ) وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الْعَقْدِ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَوَاةً أَوْ قِشْرَةَ بَصَلَةٍ وَنَحْوَهُمَا.

قَوْلُهُ: (حَدٌّ) أَيْ مُعَيَّنٌ يُوقَفُ عِنْدَهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ؛ وَهَذَا عِنْدَنَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.

قَوْلُهُ: (عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا) تَعْمِيمٌ فِيمَا صَحَّ مَبِيعًا، وَنُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَوَّضٌ لَا عِوَضَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَصِحُّ كَوْنُهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْمَبِيعِ بِالْفِعْلِ حَتَّى يُنَافِيَ التَّعْمِيمَ بَلْ بِمَا صَحَّ كَوْنُهُ مَبِيعًا وَهُوَ قَابِلٌ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا. قَوْلُهُ: (صَحَّ كَوْنُهُ صَدَاقًا) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ جَعَلَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ بَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّضَادِّ وَلَا جَعْلُ الْأَبِ أُمَّ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَنْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ صَدَاقًا لَهُ وَلَا جَعْلُ ثَوْبٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ صَدَاقًا مَعَ أَنَّ كُلًّا يَصِحُّ جَعْلُهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَصِحُّ صَدَاقُهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ لِعَارِضٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الصَّدَاقِ رَفَعَهُ.

وَنَازَعَ شَيْخُنَا فِي إيرَادِ الثَّوْبِ حَيْثُ قَالَ: وَاسْتِثْنَاءُ مَا لَوْ جَعَلَ ثَوْبًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ وُجُوبِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ السِّتْرُ بِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَإِصْدَاقُهُ وَإِلَّا صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ صَدَاقًا يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ إصْدَاقِهَا مَا لَزِمَهَا أَوْ لَزِمَ فِيهَا مِنْ قَوَدٍ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ. وَقَوْلُهُ " إصْدَاقِهَا " أَيْ إصْدَاقِ شَخْصٍ لَهَا مَا لَزِمَهَا مِنْ قَوَدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَجْعَلُ ذَلِكَ صَدَاقًا لَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً مُشْرِكَةً لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ خَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مِنْ أَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَهَلْ الثَّمَنُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ أَوَّلًا؟ حَرِّرْهُ، وَصُورَةُ أُمُّ الْوَلَدِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر: أَنْ يَتَزَوَّجَ شَخْصٌ أَمَةً بِالشُّرُوطِ ثُمَّ يَأْتِي مِنْهَا بِوَلَدٍ ثُمَّ يَمْلِكُهَا هِيَ وَوَلَدَهَا فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَيَجْعَلَ أُمَّهُ صَدَاقًا لَهُ لَا يَصِحُّ اهـ.

وَقَالَ شَيْخُنَا: صُورَتُهَا أَنْ يَطَأَ أَمَةً بِشُبْهَةٍ فَيَأْتِي مِنْهَا بِوَلَدٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَهَا صَدَاقًا لِهَذَا الْوَلَدِ لِلدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَهَا فِي مِلْكِهِ، وَإِذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ، وَإِذَا عَتَقَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهَا صَدَاقًا، وَمَا أَدَّى وُجُودُهُ إلَى عَدَمِهِ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ) أَيْ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا وَإِنْ عُدَّ بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ.

قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لَازِمَةٌ لِلْأُخْرَى، إلَّا إنْ أُرِيدَ بِالثَّانِيَةِ نَحْوَ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِوَضِيَّةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ كَنَوَاةٍ وَحَصَاةٍ وَتَرْكِ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِوَضِيَّةِ اهـ فَقَوْلُهُ لَا يُتَمَوَّلُ أَيْ مِنْ الْمَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَنَوَاةٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَتَرَكَ شُفْعَةً وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: " وَتَرْكِ شُفْعَةٍ " بِأَنْ اشْتَرَتْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَقَوْلُهُ " وَحَدِّ قَذْفٍ " بِأَنْ قَذَفَتْهُ.

قَوْلُهُ: (كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا يُتَمَوَّلْ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ) وَأَمَّا النِّكَاحُ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُسَمَّى؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَقْدَيْنِ عَقْدٌ لِلنِّكَاحِ قَصْدًا وَبِالذَّاتِ وَعَقْدٌ لِلصَّدَاقِ تَبَعًا وَبِالْعَرَضِ، فَإِذَا صَحَّ مَا بِالذَّاتِ صَحَّ التَّابِعُ لَهُ أَوْ فَسَدَ هُوَ فَسَدَ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَوْ فَسَدَ التَّابِعُ فَإِنَّ الْمَتْبُوعَ بَاقٍ عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (وَيُرْجَعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمُسَمَّى إلَّا فِي صُورَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَالثَّانِيَةُ: إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ لِحُرَّةٍ وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا لِلدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ جَعْلُهُ صَدَاقًا لَمَلَكْته وَلَوْ مَلَكْته لَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَوْ انْفَسَخَ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ فَيَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ صَدَاقًا عَدَمُ جَعْلِهِ صَدَاقًا.

فَرْعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا مِائَةٌ خَمْسُونَ حَالَّةً وَخَمْسُونَ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَمَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَحِلُّ بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَسَدَ الصَّدَاقُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يُقَالُ بِوُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّوْزِيعِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِدُ مَعْلُومًا وَهُنَا مَجْهُولٌ لِجَهْلِ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. م ر وزي. وَلَوْ دَفَعَ لَهَا مَالًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَهْرِ وَادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُ صُدِّقَ كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ صُدِّقَ الْآخِذُ فِي نَفْيِ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي دَفْعِ صَدَاقٍ لِوَلِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>