للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَلَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَرَادَ التَّزْوِيجَ عَلَى إزَارِهِ: «إزَارُك هَذَا إنْ أَعْطَيْته إيَّاهَا جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك» وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِنَا: مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَهْرُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمَ كَأَصْدِقَةِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجَاتِهِ، وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ فَكَانَ مِنْ النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ) تُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ كَتَعْلِيمٍ فِيهِ كُلْفَةٌ وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَكِتَابَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ يُحْسِنُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهَا وَالْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ جَازَ وَيَسْتَأْجِرُ لَهَا مَنْ يُحْسِنُهَا، وَإِنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَجْزِهِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَعْلُومَةِ الْمَنْفَعَةُ الْمَجْهُولَةُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا، وَلَكِنْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَإِطْلَاقُ التَّعْلِيمِ فِيمَا تَقَدَّمَ شَامِلٌ لِمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ كَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَلِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالشِّعْرِ وَالْخَطِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَحْجُورَةٍ أَوْ رَشِيدَةٍ أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ بِأَخْذِهِ نُطْقًا وَإِلَّا فَلَا، وَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ فِي دَعْوَاهُ الْإِذْنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ. وَلَوْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا حَدَّ أَوْ بَعْدَهُ حُدَّ مَا لَمْ يُعْذَرْ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لِعَوْدِ نِصْفِهِ إلَيْهِ فَهُوَ شُبْهَةٌ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (لِلَّذِي أَرَادَ التَّزْوِيجَ) الْأَوْلَى التَّزَوُّجُ. قَوْلُهُ: (إزَارُك) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ إنْ أَعْطَيْته إلَخْ. قَوْلُهُ: (جَلَسْتَ وَلَا إزَارَ لَك) أَيْ وَحَقُّ اللَّهِ الَّذِي هُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا دَاخِلٌ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِهِ وَقَدْ قُدِّمَ فِيهِ الْبُطْلَانُ فَلَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ، فَلَوْ قَالَ خَارِجٌ كَانَ أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ قَوْلِنَا إلَخْ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِلَّا فَلَا " وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ. وَاعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ الْإِزَارَ أَوْ الثَّوْبَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مَبِيعًا وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِعَارِضٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ دَاخِلًا لَوْ قَالَ مَا صَحَّ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِنْسَانُ صَحَّ أَنْ يَجْعَلَهُ صَدَاقًا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْقُصَ) وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ م ر.

قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ أَقَلَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ إلَخْ) وَهِيَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، هَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ حَبِيبَةَ وَبِهَا كَانَتْ تُكْنَى، وَهِيَ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِي حِجْرِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -؛ وَتَنَصَّرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ هُنَاكَ وَثَبَتَتْ هِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ، «وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى النَّجَاشِيِّ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا وَأَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ» ، وَاَلَّذِي تَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَّلَتْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِيهَا، وَقِيلَ: الَّذِي تَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقِيلَ: كَانَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَجَهَّزَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرْسَلَهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَقِيلَ: «تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ» ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي كَلَامِ الْعَامِرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدَّدَ نِكَاحَ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِ» . اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ.

قَوْلُهُ: (تُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ) فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي مَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ، أَيْ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُسْتَوْفَى بِالْإِجَارَةِ، أَيْ يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ فَخَرَجَ الْمَنْفَعَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْفَاقِدَةُ بَعْضَ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا شَرْطَيْنِ: كَوْنُهَا مَعْلُومَةً وَكَوْنُهَا تُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ بِأَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً لَا كَآلَةِ لَهْوٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ، أَمَّا الْمُجْبَرَةُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ إجْبَارِهَا أَنْ يَكُونَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ تُصُوِّرَ بِمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ التَّعَامُلَ بِالْمَنَافِعِ، أَوْ تُصُوِّرَ بِمَا إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ لِعَبْدٍ كَامِلٍ أَوْ لِحُرٍّ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ فَالتَّقْرِيرُ الْأَوَّلُ مُتَعَيَّنٌ.

قَوْلُهُ: (كُلْفَةٌ) وَلَوْ لِلشَّهَادَتَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَأَرَادَتْ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا لَهُمَا كُلْفَةٌ بِأَنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً.

قَوْلُهُ: (وَالْتَزَمَ) أَيْ التَّعْلِيمَ فِي الذِّمَّةِ جَازَ.

قَوْلُهُ: (مَنْ يُحْسِنُهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةَ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ الْتَزَمَ) ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا غَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ عَقْدُ الصَّدَاقِ حَيْثُ لَمْ يَحْسُنْ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَصَحِيحٌ وَيَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.

قَوْلُهُ: (الْمَجْهُولَةُ) كَسُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مَجْهُولَةً.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ وَلَهُ عَلَيْهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مُقَابَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>