وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِهَا قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا مِنْ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَنَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] .
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْوَلِيمَةِ وَاشْتِقَاقِهَا كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ عُرْسٍ وَإِمْلَاكٍ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ إلَخْ) لَعَلَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إذَا زَادَ نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَقَدْ يَتَعَارَضَانِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُونَ أَضْعَافَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي رِعَايَةِ الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَالثَّلَاثِينَ. قَالَ جَمْعٌ: وَهَذَا أَدْنَى الْمُسْتَحَبِّ حَجّ ز ي. قَالَ حَجّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا حَيْثُ لَا تَنَازُعَ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيرُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ الْمُسْتَنِدُ إلَى النَّظَرِ بِحَالِهِمَا وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ دِرْهَمًا بَلْ وَعَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ سم. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهُ وَإِنْ فَاتَتْ السَّنَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِامْتِنَاعِ الزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ) أَيْ وُجُوبًا وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَضَهَا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ) أَيْ بِقَدْرِ حَالِهِمَا أَيْ وَقْتَ الْفِرَاقِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (الْوَلِيمَةِ) ذَكَرهَا عَقِبَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْوَلَائِمِ وَلِيمَةُ الْإِمْلَاكِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، وَالصَّدَاقُ مُلَازِمٌ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمَّا ذَكَرَ الصَّدَاقَ كَأَنَّهُ ذَكَرَ عَقْدَ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوَلِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا عَلَى الطَّعَامِ اهـ؛ أَيْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ إلَّا بَعْدَهَا لَا لَهَا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَلِأَنَّهُ خَاصٌّ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ شَامِلٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ.
قَوْلُهُ: (لِسُرُورٍ حَادِثٍ) قَالَ الرَّاغِبُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ أَنَّ السُّرُورَ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةِ طُمَأْنِينَةِ الصَّدْرِ عَاجِلًا وَآجِلًا، وَالْفَرَحُ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ بِلَذَّةٍ عَاجِلَةٍ غَيْرَ آجِلَةٍ وَذَلِكَ فِي اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَقَدْ يُسَمَّى الْفَرَحُ سُرُورًا لَكِنْ عَلَى نَظَرِ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْحَقَائِقَ وَيَتَصَوَّرُ أَحَدَهُمَا بِصُورَةِ الْآخَرِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ لِسُرُورٍ كَالْخِتَانِ وَالْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ إنْ طَالَ عُرْفًا فِي غَيْرِ بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ، وَخَرَجَ بِالسُّرُورِ مَا يُتَّخَذُ لِلْمُصِيبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْوَلِيمَةِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَنْ مَا يُتَّخَذُ لِلْمُصِيبَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَلِيمَةِ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالسُّرُورِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَيْهِ جَرَى شَيْخُنَا؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: الْوَلِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ دَعْوَةٍ لِطَعَامٍ يُتَّخَذُ لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: لِحَادِثِ سُرُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَشْمَلُ الْوَضِيمَةَ وَهِيَ وَلِيمَةُ الْحُزْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا نَابَهُمْ مِنْ الضَّيْمِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ عُرْسٍ) أَيْ دُخُولٍ بِالزَّوْجَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِمْلَاكٍ " أَيْ عَقْدٍ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ عَطْفُهُ مُغَايِرًا. أَوْ الْمُرَادُ بِالْعُرْسِ أَعَمُّ مِنْ الدُّخُولِ وَالْعَقْدِ وَالْإِمْلَاكِ لِلْعَقْدِ، فَيَكُونُ عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ. وَقِيلَ: الْعُرْسُ الْعَقْدُ وَالْإِمْلَاكُ الدُّخُولُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِمْلَاكُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَمْلَكْتُهُ امْرَأَةً بِمَعْنَى زَوَّجْتُهُ إيَّاهَا، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: مَلَكْتُ امْرَأَةً أَمْلِكُهَا مِنْ بَابِ ضَرَبَ زَوَّجْتهَا وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ مَلَّكْتُهُ امْرَأَةً وَأَمْلَكْته امْرَأَةً. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا إلَخْ) فِي الصِّحَاحِ: الْوَلِيمَةُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ لِمَا تَقَدَّمَهُ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا ح ل. وَانْظُرْ هَلْ تُسَنُّ أَوْ لَا؟ وَلَا تَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا بِطُولِ الزَّمَنِ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْعَقِيقَةِ وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ أَوْ الْإِمَاءِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ دُخُولٍ وَاحِدٍ وَتَكْفِي وَاحِدَةٌ قَصَدَ بِهَا الْجَمِيعَ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ الدُّخُولُ قَبْلَ فِعْلِهَا؟ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ