للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَلِيمَةُ عَلَى الْعُرْسِ) الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا الِابْتِنَاءُ بِالزَّوْجَةِ (مُسْتَحَبَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِثُبُوتِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا، فَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِهَا وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا بَقِيَ طَلَبُ غَيْرِهَا. وَسُئِلَ شَيْخُنَا م ر: هَلْ تَتَدَاخَلُ الْوَلَائِمُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ تَتَدَاخَلُ ق ل. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعُرْسِ) أَيْ لِأَجْلِ الْعُرْسِ، فَعَلَى لِلتَّعْلِيلِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: الْوَلِيمَةُ لِعُرْسِ إلَخْ، قَالَ سم: وَلَيْسَ قَوْلُهُ عَلَى الْعُرْسِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ إذْ الْوَلِيمَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِغَيْرِ الْعُرْسِ أَيْضًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِاخْتِصَاصِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ) وَأَمَّا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَهِيَ الْمَرْأَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ

تَقُولُ عِرْسِي وَهِيَ لِي فِي عَوْمَرَهْ ... بِئْسَ امْرُؤٌ وَإِنَّنِي بِئْسَ الْمَرَهْ

وَأَمَّا الزَّوْجُ فَيُقَالُ لَهُ عَرُوسٌ وَأَمَّا عِرْسَةٌ بِالتَّاءِ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ فَالْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ الْمُعَادِي لِلْفَأْرِ.

قَوْلُهُ: الِابْتِنَاءُ بِمُوَحَّدَةٍ فَتَاءٌ فَوْقِيَّةٌ فَنُونٌ هُوَ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهَا بَعْدَ الْإِمْلَاكِ ق ل قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَنَى عَلَى أَهْلِهِ دَخَلَ بِهَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا تَزَوَّجَ بَنَى لِلْعَرُوسِ خِبَاءً جَدِيدًا وَغَمَرَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ بُنِيَ لَهُ تَكْرِيمًا ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى كُنِّيَ بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنَى عَلَيْهَا وَبَنَى بِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَيُطْلَقُ الْعُرْسُ أَيْضًا عَلَى طَعَامِ الزِّفَافِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا نَظَمَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الْوَلَائِمِ فَقَالَ

وَلِيمَةُ عُرْسٍ ثُمَّ خَرْصُ وِلَادَةٍ ... عَقِيقَةُ مَوْلُودٍ وَكِيرَةُ ذِي بِنَا

وَضَيْمَةُ مَوْتٍ ثُمَّ إعْذَارُ خَاتِنٍ ... نَقِيعَةُ سَفَرٍ وَالْمُؤْدِبُ لِلثَّنَا

. اهـ. زي قَوْلُهُ: " لِلثَّنَاءِ " أَيْ لِفِعْلِ مَا يُطْلَقُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ كَخَتْمِ كِتَابٍ أَوْ قُرْآنٍ فَيُسَمَّى مَأْدُبَةً.

قَوْلُهُ: (مُؤَكَّدَةٌ) فَغَيْرُهَا مُسْتَحَبٌّ دُونَهَا، أَيْ أَقَلُّ مِنْهَا، فَقَيْدُ الِاسْتِحْبَابِ لَا مَفْهُومَ لَهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَفِي الْبُخَارِيِّ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِثَالٌ لِلْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ) وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدٌ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ابْنِ عَمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَلِي اللَّهَ أَنْ يَأْجُرَك فِي مُصِيبَتِك وَيُخْلِفَك خَيْرًا قَالَتْ: وَمَنْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ وَلَمَّا اعْتَدَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُهَا مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَانَ خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَبَتْ وَخَطَبَهَا عُمَرُ فَأَبَتْ فَلَمَّا جَاءَهَا حَاطِبٌ قَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَقُولُ لَهُ إنِّي امْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ؛ لِأَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ مَعَهَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ بُرَّةُ وَسَلَمَةُ وَعَمْرَةُ وَدُرَّةُ وَإِنِّي شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهَا: أَمَّا قَوْلُك إنِّي امْرَأَةٌ مُسِنَّةٌ فَأَنَا أَسَنُّ مِنْك وَلَا يُعَابُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَسَنَّ مِنْهَا، وَأَمَّا قَوْلُكِ إنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ فَإِنَّ كُلَّهُمْ عَوْلَةٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ إنِّي شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ فَإِنِّي أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ ذَلِكَ عَنْك وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهَا قَالَتْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَيْسَ لِي هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي فَيُزَوِّجُنِي. فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: أَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ أَوْلِيَائِك فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِك يَكْرَهُنِي فَقَالَتْ لِابْنِهَا: زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَوَّجَهُ عَلَى مَتَاعٍ مِنْهُ رَحًى وَجَفْنَةٌ وَفِرَاشٌ حَشْوُهُ لِيفٌ قِيمَةُ كُلِّ الْمَتَاعِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَتْ: فَتَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْخَلَنِي بَيْتَ زَيْنَبَ أُمِّ الْمَسَاكِينِ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ، فَإِذَا جَرَّةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ وَإِذَا رَحًى وَبُرْمَةٌ وَقَدْ رَأَى ظَرْفَ الْأُدْمِ فَأَخَذْتُ ذَلِكَ الشَّعِيرَ فَطَحَنْته ثُمَّ عَصَدْته فِي الْبُرْمَةِ فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَامَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ عُرْسِهِ» وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي وِلَايَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ عُمْرُهَا أَرْبَعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَزْوِيجَ وَلَدِهَا لَهَا إنَّمَا كَانَ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمِّهَا ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ) وَهِيَ بِنْتُ حُيَيٍّ وَكَانَ أَبُوهَا رَئِيسَ الْيَهُودِ وَكَانَتْ تُحِبُّ ابْنَ عَمِّهَا، فَرَأَتْ أَنَّ الْقَمَرَ سَقَطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>