وَأَقِطٍ» وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّشَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُولِمْ عَلَى نِسَائِهِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ» . فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ.
(وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) عَيْنًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «شَرُّ الطَّعَامِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي حِجْرِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَ لَهَا: تَزْعُمِينَ أَنَّك تَتَزَوَّجِينَ بِمَلِكِ يَثْرِبَ، فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ خَيْبَرَ وَمَلَكَ غَنَائِمَهَا فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا، فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ فَخُذْ وَاحِدَةً» فَأَخَذَهَا. فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ: إنَّهَا لَا تَصْلُحُ إلَّا لَك. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ وَأَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَتَزَوَّجَ بِهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فِي رُجُوعِهِ مِنْ خَيْبَرَ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ بِإِبَاحَةِ اصْطِفَاءِ أَيْ اخْتِيَارِ مَا شَاءَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ لَهَا مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ تَصْغِيرُ حَيِّي بْنِ أَخَطَبَ الْيَهُودِيِّ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوْجَةِ سَلَامِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِالتَّصْغِيرِ شَرِيفِ خَيْبَرَ قُتِلَ فَسُبِيَتْ «فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذُكِرَ لَهُ جَمَالُهَا. وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ الصَّهْبَاءَ وَحَلَّتْ لَهُ أَيْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَبَنَى بِهَا وَصَنَعَ حَيْسًا مِنْ التَّمْرِ وَسَوِيقًا وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَضَعَهُ فِي نِطْعٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: ائْذَنْ لِمَنْ حَوْلَك» فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةً عَلَيْهَا.
وَإِنَّمَا أَخَذَهَا مِنْهُ
رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِ مُلُوكِهِمْ، فَخَافَ مِنْ اخْتِصَاصِ دِحْيَةَ تَغَيَّرَ خَاطِرِ نُظَرَائِهِ، وَكَانَتْ رَأَتْ أَنَّ الْقَمَرَ سَقَطَ فِي حِجْرِهَا اهـ. مُنَاوِيٌّ. وَجَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِنَّ عُمْرَهَا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَوْلَمَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ.
قَوْلُهُ: (بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ) وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: وَجَعَلَ وَلِيمَتَهَا حَيْسًا فِي نِطْعٍ صَغِيرٍ، وَالْحَيْسُ تَمْرٌ وَأَقِطٌ هُوَ لَبَنٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ وَسَمْنٌ؛ فَفِي الْبُخَارِيِّ: «فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرُوسًا فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْنِي بِهِ وَبَسَطَ نِطْعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ بِالسَّمْنِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ، وَذَكَرَ أَيْضًا السَّوِيقَ» . وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَيْسَ خَلْطُ السَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُخْلَطُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ السَّوِيقُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ عَلَى صَفِيَّةَ كَانَتْ نَهَارًا، وَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا لَيْلًا؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لَيْلًا أَيْ لِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ، وَقَدْ جَاءَ: " لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ " قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى سَنِّهَا لَيْلًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهَا كَذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ) هَذَا مِثَالٌ لِلْقَوْلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْلِمْ) هُوَ أَمْرٌ لِلنَّدْبِ كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَقَلُّ الْكَمَالِ) أَيْ لَا أَقَلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ إلَخْ. وَفِعْلُ النَّبِيُّ لَهَا بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الطَّعَامِ) الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا يَشْمَلُ الْمَشْرُوبَ.
قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَفُوتُ بِطَلَاقٍ وَلَا بِمَوْتٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِعْلُهَا بَعْدَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ قَضَاءً فَرَاجِعْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الدُّخُولِ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْتَهِي بِمُدَّةِ الزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا اهـ، أَيْ فَفِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ قَضَاءً فَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الْعَقْدِ لَمْ تَكُنْ وَلِيمَةَ عُرْسٍ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّسَرِّي كَالنِّكَاحِ فِي اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ وَوُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعَدُّدُهَا بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ أَوْلَادِهِ. اهـ. دَيْرَبِيٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي التَّوْشِيحِ. وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِإِجَابَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِالسُّنَّةِ وَإِقَامَةِ الْمَطْلُوبِ وَإِكْرَامِ أَخِيهِ وَزِيَارَتِهِ لِيُثَابَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ الْمُتَزَاوِرِينَ وَالْمُتَحَابِّينَ