للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَعَامُ الْوَلِيمَةِ تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» . وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْوَلَائِمِ فَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ، لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: «دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَقَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَكْثَرِ شُرُوطِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فَإِنَّ شُرُوطَهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنْ لَا يَخُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءَ لِغِنَاهُمْ لِخَبَرِ: «شَرُّ الطَّعَامِ» . وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَتُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَتُكْرَهُ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي اللَّهِ لَا قَضَاءَ شَهْوَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْأَغْنِيَاءِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مَعَهُ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ أَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ بَيَانُ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي طَعَامِ الْوَلِيمَةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَبَيَانُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ فِي إجَابَتِهَا وَهُوَ التَّوَاصُلُ وَالتَّحَابُّ وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدٌ مُوغِرٌ لِلْقَصْدِ وَمِنْ شَأْنِ التَّخْصِيصِ ذَلِكَ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاجِبَةٌ حَيْثُ حَكَمَ بِالْعِصْيَانِ عَلَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ مَعَ أَنَّهُ إذَا خُصَّ الْأَغْنِيَاءُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ أَيْ الْخَالِيَةَ عَنْ تَخْصِيصِ الْأَغْنِيَاءِ وَوُجِدَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ، أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ شَرُّ الطَّعَامِ إلَخْ هَذَا إخْبَارٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَيْبِ لِبَيَانِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْوَلَائِمِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وُجُودُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ أَيْ فِي كُلِّ الْوَلَائِمِ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ بِأَنْ انْتَفَى تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ.

وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ لَمْ يُجِبْ " مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ سَمِعَهُ، وَأَقَرَّهُ.

قَالَ ع ش: وَلَيْسَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَمَنْ لَمْ يُجِبْ إلَخْ " مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِدْلَالِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ. الصَّحَابَةُ وَسَكَتُوا عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. قَوْلُهُ: (قَالُوا وَالْمُرَادُ إلَخْ) تَبَرَّأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلِيمَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الْعُرْسَ وَغَيْرَهُ، فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَيْ عَلَى أَنَّهَا وَلِيمَةُ الْعُرْسِ اهـ. وَانْظُرْ لِمَ تَبَرَّأَ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ مُؤَيِّدٌ بِالْحَدِيثِ الْآتِي؟ وَعِبَارَةُ ح ل: وَجْهُ التَّبَرِّي مِنْهُ وَاضِحُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مَعَ مَجِيءِ التَّعْمِيمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَاقَهُ بَعْدَهُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْعَرَبِ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَقَوْلُهُ: " وَيُؤَيِّدُهُ " أَيْ هَذَا الْمُرَادُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْوَلَائِمِ) يَشْمَلُ وَلِيمَةَ التَّسَرِّي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ) هَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بَلْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَلَوْ قَالَ لَا وَاجِبَةَ لِمَا فِي مُسْنَدِ إلَخْ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ. وَظَاهِرُ نَفْيِ الْوُجُوبِ بَقَاءُ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَحْرُمُ وَسَيَأْتِي لَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (إلَى أَكْثَرِ شُرُوطِ) لَوْ قَالَ إلَى كَثْرَةِ شُرُوطِ إلَخْ، لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ، وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ عِشْرِينَ شَرْطًا ق ل.

قَوْلُهُ: (لِغِنَاهُمْ) خَرَجَ مَا لَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ لِفَقْرِهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: " أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ " صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: بِأَنْ عَمَّ النَّوْعَيْنِ أَوْ خَصَّ الْفُقَرَاءَ لِفَقْرِهِمْ أَوْ خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ أَوْ جِيرَانِهِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ وَمَسْجِدِهِ دُونَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَغْنِيَاءِ هُنَا مَنْ يَقْصِدُ التَّجَمُّلَ بِحُضُورِهِ لِنَحْوِ وَجَاهَةٍ أَوْ جَاهٍ كَمَشَايِخِ الْبُلْدَانِ وَالْأَسْوَاقِ، فَالْمُرَادُ الْغِنَى عُرْفًا لَا غِنَى الزَّكَاةِ أَوْ الْعَاقِلَةِ أَيْ الْمُتَزَيِّنُونَ بِالْمُلَابِسِ الْفَاخِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَالٌ أَصْلًا، فَهُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَمَا مِثْلُهُ إلَّا كَفَارِغِ بُنْدُقٍ خَلِيٌّ مِنْ الْمَعْنَى وَلَكِنْ يُفَرْقِعُ اهـ ع ش مَعَ زِيَادَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>