للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ؛ نَعَمْ إنْ اتَّخَذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوَهُ لِخَوْفٍ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ طَمَعًا فِي جَاهِهِ أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ. وَمِنْهَا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ لَا إنْ نَادَى فِي النَّاسِ كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ وَقَالَ لِيَحْضُرَ مَنْ أَرَادَ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ إلَى الدَّاعِي وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْبِقَ الدَّاعِيَ غَيْرُهُ فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا رَحِمًا ثُمَّ دَارًا، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوهُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ حَرَامٌ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَتُبَاحُ الْإِجَابَةُ. وَلَا تَجِبُ إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي زَمَانِنَا هَذَا انْتَهَى. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي) أَيْ صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ مُسْلِمًا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ، لَكِنْ يُسَنُّ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ أَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ جَارًا وَكَذَا لَا يَلْزَمُ ذِمِّيًّا إجَابَةُ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاعِي قَرَابَةٌ أَمْ صَدَاقَةٌ أَوْ لَا؛ وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَةِ الْآخَرِ أَنَّ طَلَبَهَا لِلتَّوَدُّدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلدُّنْيَا وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ، وَيَحْرُمُ مَيْلُ الْقَلْبِ لِلْكَافِرِ ع ش م ر عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَدْعُوَهُ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا مِمَّا لَمْ تَحْصُلْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِ إذْ الدُّعَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، لَا يُقَالُ إنَّهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ: أَيْ لِنَوْعِ الْمَدْعُوِّ، فَلَوْ جَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ يَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (فَتُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مَا لَمْ يَكُنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضِيقِ مَنْزِلِهِ وَكَثْرَةِ النَّاسِ، وَإِلَّا كَانَتْ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دُعِيَ النَّاسُ إلَيْهَا أَفْوَاجًا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الْإِجَابَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ) خَرَجَ السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ فَلَا يُجِيبُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ لِعِصْيَانِهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يُولِمَ كَانَ كَالْحُرِّ؛ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدَّعْوَةِ أَيْضًا قَالَهُ م ر وحج. قَالَ سم: هَلَّا جُعِلَ إذْنُهُ لَهُ فِي الْوَلِيمَةِ إذْنًا فِي الدَّعْوَةِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ) خَرَجَ غَيْرُهُمَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَحْضُرْ) الْأَوْلَى لَوْ لَمْ يَدْعُهُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ طَمَعًا " عُطِفَ عَلَى خَوْفٍ، وَنَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ طَمَعٍ لَكَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ طَمَعًا فِي جَاهِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَاهُ لِلتَّوَدُّدِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَائِبِهِ) بِأَنْ شَافَهَهُ بِالدَّعْوَى. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِدَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ النَّائِبِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي أَوْ نَائِبُهُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مَا لَمْ يُعْهَدْ عَلَيْهِ كَذِبٌ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ لَا بِكِنَايَةٍ كَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْضُرَ فَافْعَلْ أَوْ إذَا رَأَيْت أَنْ تُجَمِّلَنِي فَافْعَلْ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَدُّبِ أَوْ الِاسْتِعْطَافِ مَعَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي حُضُورِ الْمَدْعُوِّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَكْفِي بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ. وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ غَايَةُ مَا تَقْتَضِي نَدْبَ الْحُضُورِ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ حِينَئِذٍ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِيَحْضُرَ مَنْ أَرَادَ) فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. قَوْلُهُ: (وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ) أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ لَا بِنَحْوِ غَضَبٍ وَعُبُوسٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَجَابَ أَقْرَبُهُمَا) فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ) أَيْ وَالْوَلِيمَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ق ل، وَقَوْلُهُ أَكْثَرُ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ إجَابَتُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ مِنْ الْحَرَامِ، فَلَا تَحْرُمُ الْإِجَابَةُ بَلْ تُكْرَهُ كَمَا قَدَّمَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتُبَاحُ إلَخْ) مُسْتَأْنَفٌ كَمَا قَالَهُ م د؛ لَكِنْ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " وَلَا تَجِبُ " فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، أَيْ فَلَا تَحْرُمُ؛ وَلَكِنْ تُبَاحُ الْإِجَابَةُ تَأَمَّلْ، هَكَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ) أَيْ حَرَامٌ وَإِنْ قَلَّ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةٌ أَيْ قَوِيَّةٌ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي مَالِهِ حَرَامًا وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامًا فِيمَا يَظْهَرُ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ التَّقْيِيدِ؛ لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ عَدَمُ كَرَاهَةِ مُعَامَلَتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ إلَّا حِينَئِذٍ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلْوُجُوبِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ الْآنَ مَالٌ يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا بُدَّ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي زَمَانِنَا. قَوْلُ: (وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>