الْأَذْرَعِيِّ فِي الْأَمْرَدِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَافَتْ مِنْ حُضُورِهَا رِيبَةً أَوْ تُهْمَةً أَوْ قَالَةً لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَأَوْلَى، خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ اخْتِلَاطُ الْأَجَانِبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِكَشْفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُلْبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ لَا لِيُدَاسَ؛ ثُمَّ قَالَا: وَيَجُوزُ لُبْسُ مَا عَلَيْهِ صُوَرُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَدَوْسُهُ وَوَضْعُهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ مُغَطَّى، وَقَوْلُهُ: " مَنْصُوبَةً " وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ:؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ أَجْلِ النُّمْرُقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا التَّصَاوِيرُ فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت؟ فَسَأَلَتْ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الدُّخُولِ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قَالَتْ: اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ التَّصَاوِيرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالنُّمْرُقَةُ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ، أَيْ فَهِيَ كَانَتْ مَنْصُوبَةً حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إرَادَةِ دُخُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: " وَالنُّمْرُقَةُ " بِالضَّمِّ لِلْمُفْرَدِ وَتُجْمَعُ عَلَى نَمَارِقَ وَهِيَ الْوَسَائِدُ جَمْعُ وِسَادَةٍ؛ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: " وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فِعَالَهُ " إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: " لَكِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا " وَكَقَطْعِ الرَّأْسِ هُنَا فَقْدُ كُلِّ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ فَقْدَ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ كَفَقْدِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلْحَيَوَانِ بِدُونِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ح ل. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَكَفَقْدِ الرَّأْسِ فَقْدُ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَقْدُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ الْمُحَاكَاةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِدُونِ ذَلِكَ اهـ. وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ خَرْقَ نَحْوِ بَطْنِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ فِي الْحَيَوَانِ أَيْ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمُحَاكَاةِ وَلَا شَيْءَ لِمُصَوِّرٍ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ضَعِيفٌ بَلْ شَاذٌّ وَلَا أَرْشَ عَلَى كَاسِرِهِ.
وَتَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ أَوْ مِنْ طِينٍ أَوْ حَلَاوَةٍ وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِدَامَتُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَخَالَفَهُ الزِّيَادِيُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَحَرَّمَهُمَا؛ وَهُوَ كَبِيرَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ» أَيْ مِنْ أَشَدِّهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: «نَحْوَ الْجَرَسِ وَمَا فِيهِ بَوْلٌ مَنْقُوعٌ» قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَلَوْ عَلَى نَقْدٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ، وَالْأَقْرَبُ مَا فِي الزَّوَاجِرِ؛ وَوَجْهُهُ أَنَّ حَمْلَ النَّقْدِ وَالتَّعَامُلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صُورَةٌ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَعَدَمِ إرَادَةِ تَعْظِيمِهِ وَالْعُذْرُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَالضَّرُورَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْحَيْضِ لِلْحَائِضِ، وَمَعَ ذَلِكَ وَرَدَ النَّصّ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ اهـ.
وَيُسْتَثْنَى لُعَبُ الْبَنَاتِ وَكَذَا الصِّبْيَانِ، أَيْ الَّذِينَ يَلْعَبُونَ بِهِ مِنْ تَصْوِيرِ شَكْلٍ يُسَمُّونَهُ عَرُوسَةً؛ «لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ بِبَيْتِ أَبِيهَا قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَيْتِهِ» ، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ كَانَ بِبَيْتِهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْقُولُ، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الْعَزِيزِيِّ مَا نَصُّهُ: وَوَرَدَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تَلْعَبُ بِمَا ذُكِرَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهَا أَيْ حِينَ كَانَتْ صَغِيرَةً وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْضُرُ عِنْدَهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا انْقَطَعَ عَنَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، أَيْ كَانَ يَأْتِينَا الْبَيْتَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، أَيْ فَلَيْسَ لَعِبُهَا بِمَا ذُكِرَ كَانَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخَذَهَا بَيْتَهُ كَانَ عُمْرُهَا تِسْعَ سِنِينَ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَرُّجَ عَلَى الْجُلُودِ الْمُصَوَّرَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا خَيَالُ الظِّلِّ حَلَالٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ:
رَأَيْت خَيَالَ الظِّلِّ أَكْبَرَ عِبْرَةٍ ... لِمَنْ هُوَ فِي عِلْمِ الْحَقِيقَةِ رَاقِي
شُخُوصٌ لِأَرْوَاحٍ تَمُرُّ وَتَنْقَضِي ... نَرَى الْكُلَّ يَفْنَى وَالْمُحَرِّكُ بَاقِي
اهـ قَوْلُهُ: (وَمِخَدَّةٌ) أَيْ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ.
قَوْلُهُ: (فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّجَالِ) كَلَامُهُ الْأَوَّلُ رُبَّمَا يَشْمَلُهَا ق ل. قَوْلُهُ: (عَنْ الْأَذْرَعِيِّ) لَمْ يَتَقَدَّمُ لَهُ نَفْلُ ذَلِكَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، فَلَعَلَّهُ فِي الْوَاقِعِ مَنْسُوبٌ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ عَزَاهُ لَهُ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى) أَيْ مِنْ الْأَمْرَدِ. قَوْلُهُ: (خُرِقَ) أَيْ رُفِعَ فِيهِ السِّيَاجُ أَيْ الْحَيَاءُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السِّيَاجُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ