للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي فَمِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَلِلضَّيْفِ أَخْذُ مَا يُعْلَمُ رِضَا الْمُضِيفِ بِهِ، وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي الْإِمْلَاكِ وَلَا يُكْرَهُ النَّثْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَيُسَنُّ لِلضَّيْفِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُضِيفِ وَأَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَمِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَضَيَّفَهُ زَيْدٌ وَأَكَلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ مِلْكَهُ لَا مِلْكَ زَيْدٍ. وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الشَّارِح: " بِوَضْعِهِ فِي فَمِهِ ". هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالِازْدِرَادِ، فَلَوْ لَفَظَهُ قَبْلَهُ عَادَ لِمَالِكِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَلَالِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ مَا يَقَعُ مِنْ تَفْرِقَةِ نَحْوِ لَحْمٍ عَلَى الْأَضْيَافِ يَمْلِكُهُ مِلْكًا تَامًّا بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الضِّيَافَةُ الْمَشْرُوطَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ يَمْلِكُهَا بِوَضْعِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَهُ الِارْتِحَالُ بِهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ فِعْلًا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا فَرْعٌ لَا يَضْمَنُ مَا قُدِّمَ لَهُ مِنْ طَعَامٍ وَإِنَائِهِ وَحَصِيرٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ نَحْوِ هِرَّةٍ عَنْهُ وَيَضْمَنُ إنَاءً حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَيَبْرَأُ بِعَوْدِهِ مَكَانَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلِلضَّيْفِ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَا الْمُضِيفِ بِهِ) شَمَلَ الطَّعَامَ وَالنَّقْدَ وَغَيْرَهُمَا. وَتَخْصِيصُهُ بِالطَّعَامِ رَدَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَتَفَطَّنْ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ وَهَمَ فِيهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ زي. وَلَوْ دَخَلَ عَلَى آكِلِينَ فَأَذِنُوا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ إلَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَا لِنَحْوِ حَيَاءٍ، وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ إجَابَةُ مَنْ عَرَّضَ بِالضِّيَافَةِ تَجَمُّلًا وَأَكَلُ هَدِيَّةِ مَنْ ظُنَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُهْدِي إلَّا خَوْفَ الْمَذَمَّةِ. وَلَوْ تَنَاوَلَ ضَيْفٌ إنَاءَ طَعَامٍ فَانْكَسَرَ مِنْهُ ضَمِنَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ الْعَارِيَّةِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ ز ي. وَسُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا بِاسْمِ مَلَكٍ يَأْتِي بِرِزْقِهِ لِمَنْ يُضَيِّفُهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيُنَادِي فِيهِمْ هَذَا رِزْقُ فُلَانٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مَأْخُوذٌ مِنْ الضِّيَافَةِ وَهِيَ الْإِكْرَامُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْغَرِيبُ وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَتْ ضِيَافَتُهُ.

وَإِكْرَامُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ مَعَ ظَنِّ رِضَاهُ. وَضِدُّهُ الطُّفَيْلِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى طُفَيْلٍ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ يَحْضُرُ وَلِيمَةَ كُلِّ عُرْسٍ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّطَفُّلِ وَهُوَ حُضُورُ طَعَامِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَبِغَيْرِ عِلْمٍ رِضَاهُ؛ فَهُوَ حَرَامٌ، فَلَوْ دَعَا عَالِمًا أَوْ صُوفِيًّا فَحَضَرَ بِجَمَاعَتِهِ حَرُمَ حُضُورُ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ رِضَا الْمَالِكِ بِهِمْ. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ: " فَهُوَ حَرَامٌ " بَلْ يَفْسُقُ بِهِ إنْ تَكَرَّرَ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ: «يَدْخُلُ سَارِقًا وَيَخْرُجُ مُعَيَّرًا» وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُقْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ لِلشُّبْهَةِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: " يَدْخُلُ سَارِقًا " وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ وَأَخَذَ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ إنْ دَخَلَ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ؛ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ بِخِلَافِ نَحْوِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ) هُوَ الرَّمْيُ مُفَرَّقًا وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْإِمْلَاكِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفِي سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ إمْلَاكٍ وَهِيَ وَلِيمَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِي الْمُخْتَارِ: الْإِمْلَاكُ التَّزَوُّجُ وَقَدْ أَمْلَكْنَا فُلَانًا فُلَانَةَ أَيْ زَوَّجْنَاهُ إيَّاهَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فِي إمْلَاكٍ أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ النَّثْرُ فِي الْأَصَحِّ) نَعَمْ إنْ ظَنَّ ازْدِحَامَ السَّفَلَةِ الْمُضِرِّ بِهِمْ حُرِّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ابْنُ حَجَرٍ زي، وَمِثْلُهُ التَّمْرُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَغَيْرُهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَتَرْكُهُمَا أَيْ تَرْكُ ذَلِكَ وَالْتِقَاطُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يُشْبِهُ النُّهْبَةَ وَالْأَوَّلُ تَسَبُّبٌ إلَى مَا يُشْبِهُهَا، نَعَمْ إنْ عُرِفَ أَنَّ النَّاثِرَ لَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدَحْ الِالْتِقَاطُ فِي مُرُوءَةِ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ أَخْذُ النِّثَارِ مِنْ الْهَوَاءِ بِإِزَارٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ الْتَقَطَهُ أَوْ بَسَطَ حِجْرَهُ لَهُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْ حِجْرَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَصْدُ تَمَلُّكٍ وَلَا فِعْلٍ، نَعَمْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكُهُ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ حِجْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْصِدَ أَخْذَهُ أَوْ قَامَ فَسَقَطَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، وَلَوْ نَفَضَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: " لَمْ يَمْلِكْهُ " لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ النَّاثِرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ، ذَكَرَهُ ح ل وزي؛ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْعَزِيزِيِّ: لَمْ يَمْلِكْهُ أَيْ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَمْلُوكٌ وَقَدْ وَقَعَ مَعَ شَخْصٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَحَجَّرَ عَلَى أَرْضٍ وَأَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا أَوْ أَنَّ صَيْدًا دَخَلَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَدَخَلَ غَيْرُهُ وَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النِّثَارَ أَصْلُهُ مَمْلُوكٌ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر: وَحَيْثُ كَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ: فِيمَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَهُ غَيْرُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>