زَوْجَاتٍ فِيهِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَوْلَدَاتٍ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] . وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَسْمُ بِقَوْلِهِ: (وَالتَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ) فِي الْمَبِيتِ (بَيْنَ) الزَّوْجَتَيْنِ وَ (الزَّوْجَاتِ) الْحَرَائِرِ (وَاجِبَةٌ) عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ قَامَ بِهِمَا أَوْ بِهِنَّ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ وَرَتْقٍ وَقَرْنٍ وَإِحْرَامٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأُنْسُ لَا الْوَطْءُ. وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ أَوْ بَيْنَهُنَّ فِي التَّمَتُّعِ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّهَا تُسَنُّ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: " الْحَرَائِرِ " مَا لَوْ كَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كُنَّ مِنْ الْجِنِّ أَوْ بَعْضُهُنَّ مِنْ الْإِنْسِ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ الْجِنِّ فَتَسْتَحِقُّ الْجِنِّيَّةُ الْقَسْمَ وَإِنْ جَاءَتْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ بَنِي آدَمَ حَيْثُ عُرِفَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَى عَلَى صُورَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فَتَزَوُّجُهُ بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِيءُ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ رِضًا مِنْهُ بِمَجِيئِهَا عَلَى أَيِّ صُورَةٍ كَانَتْ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر.
فَرْعٌ: لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كُنَّ إمَاءً) بِأَنْ تَزَوَّجَ رَقِيقٌ أَمَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا، أَوْ تَزَوَّجَ حُرٌّ بِالشُّرُوطِ أَمَةً فَسَقِمَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَ أَمَةً أُخْرَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَلَا مَدْخَلَ لِإِمَاءٍ غَيْرِ زَوْجَاتٍ) قَالَ م ر وَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ السُّرِّيَّةَ بِالْمَبِيتِ وَيُعَطِّلَ الزَّوْجَةَ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَالْأَحْسَنُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِوُجُوبِ الْقَسْمِ؛ إذْ رُجُوعُهُ لِلْقَسْمِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُنَّ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا مَعَ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُنَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: " فَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ " يَعْنِي فِي مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لَكِنَّهُ يُسَنُّ كَيْ لَا يَحْقِدَ بَعْضُ الْإِمَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَالْحِقْدُ الْبُغْضُ وَالْجَمْعُ أَحْقَادٌ.
قَوْلُهُ: {أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: ٣] أَيْ فِي الْوَاجِبِ فَلَا يَتَعَارَضُ مَعَ آيَةِ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: ١٢٩] ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَنْدُوبِ أَوْ الْأَعَمِّ، أَوْ الْآيَةَ الْأُولَى فِي الْقَسْمِ الْحِسِّيِّ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالثَّانِيَةَ فِي الْمَعْنَوِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ كَالْمَحَبَّةِ؛ وَعَلَيْهِ حَدِيثُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: {فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣] أَيْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً، وَقَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ} [النساء: ٣] أَيْ أَوْ ائْتُوا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:
عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ: " فِي الْبَيْتِ " قَيْدٌ بِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي مِقْدَارِ الزَّمَانِ، وَإِلَّا فَالْقَسْمُ وَاجِبٌ نَهَارًا، لَكِنْ لَا تَجِبُ فِيهِ التَّسْوِيَةُ فِي الزَّمَانِ. وَلَوْ أَسْقَطَهُ أَوْ عَمَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا يَأْتِي ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِي إقَامَةِ غَيْرِ أَصْلٍ اهـ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي التَّمَتُّعِ وَلَا فِي الْكِسْوَةِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (الْحَرَائِرِ) أَيْ أَوْ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا انْفَرَدْنَ فَهُنَّ كَالْحَرَائِرِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَهُ. قَوْلُهُ: (وَاجِبَةٌ) ، أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتُصَّ بِإِبَاحَةِ تَرْكِ الْقَسْمِ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ أَيْ عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ شُغْلًا عَنْ لَوَازِمِ الرِّسَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١] أَيْ تُبْعِدُ مَنْ تَشَاءُ فَلَا تَقْسِمُ لَهَا، وَتُقَرِّبُ مَنْ تَشَاءُ فَتَقْسِمُ لَهَا عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ؛ وَلِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ يَطُوفُ عَلَى جَمِيعِ نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» وَالطَّوَافُ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ أَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ جَمْعٍ شَافِعِيَّةٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ كَالْجُمْهُورِ