سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ أَمَّا إذَا اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ الرُّجُوعِ كَمَا لَا يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ.
تَنْبِيهٌ: مَنْ وَهَبَتْ مِنْ الزَّوْجَاتِ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِغَيْرِهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْهِبَةِ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ مِنْهُنَّ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَإِنْ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ فَقَطْ كَانَ لَهُ التَّخْصِيصُ لِوَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْحَقَّ لَهُ فَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ وَلِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَوْ لَهُ وَلِلْجَمِيعِ قَسَمَ ذَلِكَ عَلَى الرُّءُوسِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَلَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبَةِ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَقِّهَا عِوَضًا لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ الضَّرَائِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَيْسَ قَيْدًا بَلْ يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَصْرِ مِمَّا يَقْطَعُ السَّفَرَ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُدَّةَ سَفَرِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يَقْضِي لِلزَّوْجَاتِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَلِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ رَضِينَ جَازَ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِمَسْأَلَةِ الْإِمَاءِ. وَالْمَقْصِدُ بِكَسْرِ الصَّادِ. مَوْضِعُ الْقَصْدِ، وَفَتَحَ النَّاسُ صَادَهُ خَطَأً إذْ هُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَصَارَ مُقِيمًا) أَيْ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ قَبْلَ وُصُولِهِ مُطْلَقًا، أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ. قَالَ ق ل: قَالَ شَيْخُنَا كَغَيْرِهِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْضِي مُدَّةَ عَدَمِ التَّرَخُّصِ إنْ سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ. وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ مَا لَوْ خَرَجَتْ لِحَاجَتِهَا فِي الْبَلَدِ بِإِذْنِهِ كَأَنْ كَانَتْ مَاشِطَةً أَوْ بَلَّانَةً أَوْ قَيِّمَةً عَلَى الْحَمَّامِ أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ قَابِلَةً وَخَرَجَتْ بِإِذْنِهِ، فَلَا يَسْقُطُ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ وَلَمْ تُسَافِرْ؛ وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ م ر انْتَهَى زي. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ وَهَبَتْ إلَخْ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِأَنْ وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي الْجُمْلَةِ. وَتَسْمِيَتُهَا هِبَةً بِالنَّظَرِ لِلصُّورَةِ وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً. وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْهِبَةِ، أَمَّا هُنَا فَيُعْتَبَرُ رِضَا الزَّوْجِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ لَهُ، وَحِينَئِذٍ هَذِهِ الْهِبَةُ تَخْرُجُ عَنْ قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ هُنَا لَيْسَ عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً، وَحِينَئِذٍ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا هِبَةٌ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ، وَيُقَالُ أَيْضًا: لَنَا هِبَةٌ تَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاءِ غَيْرِ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (لِمُعَيَّنَةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِمُبْهَمَةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ ق ل، أَيْ فَيَسْتَمِرُّ حَقُّهَا. قَوْلُهُ: (بَاتَ عِنْدَهَا) وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَيْلَتَيْهِمَا) كُلَّ لَيْلَةٍ فِي مَحَلِّهَا. وَلَيْسَ لَهُ تَقْدِيمُ لَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ عَلَى مَحَلِّهَا وَلَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى مُلَاصَقَةِ لَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ لَيْلَةِ مَنْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ ق ل. وَمَحَلُّ بَيَانِهِ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ لَمْ يَبِتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهَا إلَّا لَيْلَتَهَا كَمَا قَالَهُ س ل.
قَوْلُهُ: (لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقَهَا لِكِبَرِهَا عِ ش. وَسَوْدَةُ بِفَتْحِ السِّينِ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الضِّدِّيَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ أَجْمَلِ نِسَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَصَدَرَ مِنْهَا ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ عَقْلِهَا لَمَّا رَأَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا إلَّا هِيَ وَهِيَ كَبِرَتْ وَصَارَتْ لَا تُشْتَهَى فَخَافَتْ أَنْ يَكْرَهَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُطَلِّقَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أُرِيدُ مِنْك مَا تُرِيدُ النِّسَاءُ وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ نِسَائِك أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنِّي وَهَبْتُ نَوْبَتِي لِعَائِشَةَ» اهـ. وَقَالَ ع ش: أَيْ لِإِرَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقَهَا لِكِبَرِهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الرُّءُوسِ) فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِيِهَا وَلَهُ لَيْلَةٌ أَيْضًا يَخُصُّ بِهَا مَنْ شَاءَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل: فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ وَلَهُنَّ كَانَ لَهُ رُبْعُ لَيْلَةٍ وَلِكُلِّ زَوْجَةٍ كَذَلِكَ فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ كَالْمَعْدُومَةِ وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَدْوَارٍ أَيْ لَيَالٍ يَجْتَمِعُ لَيْلَةً فَيُقْرِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ خَصَّهَا بِهِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا اجْتَمَعَتْ لَيْلَةٌ وَكَذَا بَقِيَّةُ الصُّوَرِ.
هَذَا إذَا وَهَبَتْهَا دَائِمًا، فَإِنْ وَهَبَتْ لَيْلَةً فَقَدْ جَعَلَهَا أَرْبَاعًا وَأَقْرَعَ أَيْضًا وَيَخُصُّ بِرُبْعِهِ مَنْ شَاءَ: وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اللَّيَالِي لَا بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ، فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ لَيَالِي الْوَاهِبَةِ لَيْلَةً بِالْقُرْعَةِ فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ وَيَخُصُّ بِلَيْلَتِهِ مَنْ شَاءَ، وَرَدَ الْقَوْلُ بِالتَّوْزِيعِ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ. نَعَمْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لَيْلَةً وَاحِدَةً فَقَطْ لِلْجَمِيعِ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ وَيَلْزَمُهَا رَدُّ الْعِوَضِ إنْ كَانَتْ أَخَذَتْهُ وَتَسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ