الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ» .
(فَإِنْ أَبَتْ) مَعَ وَعْظِهِ (إلَّا النُّشُوزَ هَجَرَهَا) فِي الْمَضْجَعِ، أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ فِي الْهَجْرِ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعُهَا فِيهِ. وَخَرَجَ بِالْهِجْرَانِ فِي الْمَضْجَعِ الْهِجْرَانُ بِالْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ الْهَجْرُ بِهِ لَا لِزَوْجَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَجُوزُ فِيهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: «فَمَنْ هَجَرَهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ هَجْرُ الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَنْ رُجِيَ بِهَجْرِهِ صَلَاحُ دِينِ الْهَاجِرِ أَوْ الْمَهْجُورِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَكَذَا هَجْرُ السَّلَفِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَدْرِي مَا يُخْتَمُ لِهَذَا الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْيَانِهِمْ فَيَجُوزُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِمَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ اهـ. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تُصْبِحَ) أَيْ تَعُودَ لِطَاعَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ. قَوْلُهُ: (إلَّا النُّشُوزَ) أَيْ لَمْ تَأْبَهْ بَلْ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَفْيٍ وَلَيْسَ مَوْجُودًا هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَ نَفْيٍ تَقْدِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا النُّشُوزَ؛ فَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِطَاعَةِ زَوْجِهَا وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُرْضِي الزَّوْجَ إلَّا النُّشُوزَ وَهُوَ لَا يَرْضَى وَمَا قَبْلَهُ يَرْضَى. وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ، وَإِنْ نُظِرَ لِلْمَعْنَى اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى امْتَنَعَتْ مِنْ الَّذِي يَرْضَى وَمَنْ فِعْلِ مَا يُغْضِبُ، وَمِنْهُ النُّشُوزُ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ أَيْضًا، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: امْتَنَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا يُرْضَى إلَّا النُّشُوزَ فَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، أَيْ الْفِرَاشِ.
قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْآيَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا نَصٌّ فِي ذَلِكَ لَا ظَاهِرَةٌ فِيهِ شَيْخُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَضْجَعِ مُحْتَمِلٌ لِهِجْرَانِ الْفِرَاشِ وَلِمَنْعِ نَحْوِ قَسْمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّوْبَرِيِّ: الْمَضْجَعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ الْوَطْءُ أَوْ الْفِرَاشُ.
قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ: وَإِنَّمَا يَحْرُمُ هَجْرُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ إنْ وَاجَهَهُ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى بِالسَّلَامِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَإِنْ مَكَثَ سِنِينَ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: " فَوْقَ ثَلَاثَةٍ " مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَجُوزُ هَجْرُهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ لِفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ: (دَخَلَ النَّارَ) أَيْ اسْتَحَقَّ دُخُولَهَا أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ.
قَوْلُهُ: (لِحَظِّ نَفْسِهِ) أَوْ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ حَجَرٍ ح ل وم ر.
قَوْلُهُ: (صَلَاحُ دِينِ الْهَاجِرِ) مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ.
قَوْلُهُ: (وَصَاحِبَيْهِ) وَهُمَا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُمْ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: ١١٨] الْآيَةَ. وَتُؤْخَذُ أَسْمَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْ لَفْظِ مَكَّةَ الْمِيمُ لِمُرَارَةَ وَالْكَافُ لِكَعْبٍ وَالْهَاءُ لِهِلَالٍ، وَآخِرُ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ عَكَّةُ، وَمُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ. وَسَبَبُ هَجْرِهِمْ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَهَجَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا جَمِيعُ الصَّحَابَةِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَجَنَّبُوا نِسَاءَهُمْ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً وَصَارُوا يَبِيتُونَ عَلَى الْأَسْطِحَةِ وَيُصْعَقُونَ إلَى أَنْ نَزَلَتْ الْآيَةُ بِتَوْبَتِهِمْ بَعْدَ خَمْسِينَ يَوْمًا، «فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ أَفْضَلُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْك الشَّمْسُ فِيهِ» وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ إسْلَامِهِ.