للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ) أَيْ أَصَرَّتْ عَلَى النُّشُوزِ بَعْدَ الْهَجْرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْوَعْظِ (ضَرَبَهَا) ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ فَتَقْدِيرُهَا: وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: ١٨٢] .

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهَا النُّشُوزُ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ جَوَازُ الضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ النُّشُوزُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ الضَّرْبُ إذَا أَفَادَ ضَرْبُهَا فِي ظَنِّهِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " غَيْرَ مُبَرِّحٍ " الْمُبَرِّحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ. وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الضَّرْبِ. وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأُجِيبَ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ إسْلَامِهِ كَانَ لَوْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ قُبِلَ مِنْهُ حَالًا بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ يَوْمِ التَّوْبَةِ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك أَوْ زَيْدًا، ثُمَّ دَخَلَتْ يَبْغِي جَوَازَ تَرْكِ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ هَذَا الْحَلِفُ عُذْرًا مُسَوِّغًا لِتَرْكِهِ دَائِمًا، وَلَا يَكُونُ مِنْ الْهَجْرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا الْهَجْرَ الْمَحْرَمَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ فَلَا يَحْصُلُ هَجْرٌ وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لِلرَّمْلِيِّ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْهَجْرِ الْمُرَتَّبِ إلَخْ) إذْ الْهَجْرُ بَعْدَ الْوَعْظِ.

قَوْلُهُ: (ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي نُشُوزِهَا بِيَمِينِهِ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الضَّرْبِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ رَمَى عَيْنَ إنْسَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ نَظَرَ إلَى حُرْمَتِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كُوَّةٍ وَأَنْكَرَ الْمُرْمَى النَّظَرَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِشِدَّةِ احْتِيَاجِ الزَّوْجِ إلَى تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا مُخَالَفَتَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لَاشْتَدَّ ضَرَرُهُ وَعُطِّلَ غَرَضُهُ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ جَرَاءَتُهُ وَاشْتِهَارُهُ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا صُدِّقَتْ فِي أَنَّهُ تَعَدَّى بِضَرْبِهَا فَيُعَزِّرُهُ الْقَاضِي ع ش عَلَى م ر وَح ل. وَالْمُبَرِّحُ هُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ بِأَنْ يُخْشَى مِنْهُ مُبِيحُ تَيَمُّمٍ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ بِهِ حَرُمَ الْمُبَرِّحُ وَغَيْرُهُ. وَيُؤَيِّدُ تَفْسِيرِي لِلْمُبَرِّحِ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ بِضَرْبِهَا بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصًا. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يَضْرِبُ بِنَحْوِ الْعَصَا وَالسَّوْطِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَلَا يَبْلُغُ ضَرْبُ الْحُرَّةِ أَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا عِشْرِينَ اهـ.

وَسُئِلَ الشِّهَابُ م ر عَنْ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ ادَّعَى عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْ وَطِئَهَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ يُرِيدُ وَطْأَهَا فِي الدُّبُرِ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا اهـ م د.

قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْآيَةِ) فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يُصَدِّقُ بِالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ.

قَوْلُهُ: {وَاللاتِي تَخَافُونَ} [النساء: ٣٤] أَيْ تَظُنُّونَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنْ نَشَزْنَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَشَزْنَ) أَيْ تَحَقَّقَ نُشُوزُهُنَّ.

قَوْلُهُ: (وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ تَقْدِيرِ: فَإِنْ نَشَزْنَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنْ تَحَقَّقَ النُّشُوزُ إلَخْ. قَوْلُهُ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [البقرة: ١٨٢] أَيْ جَوْرًا، قَالَ الْجَلَالُ: جَنَفًا أَيْ مَيْلًا عَنْ الْحَقِّ خَطَأً أَوْ إثْمًا بِأَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ تَخْصِيصِ غَنِيٍّ مَثَلًا اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْغَنِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ لَا إثْمَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (إذَا أَفَادَ ضَرْبُهَا) عِبَارَةُ م ر: أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفِيدُ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُهَا) أَيْ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا ضَرَبَ لِلْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ مُطْلَقًا، أَيْ أَفَادَ أَمْ لَا، وَلَوْ لِلَّهِ لِعُمُومِ

الْمَصْلَحَةِ

كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ إلَخْ) فِيهِ تَجْرِيدٌ كَأَنَّهُ جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا خَاطَبَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْمَعَارِفِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ: (الْمُبَرِّحُ) وَهُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْهُ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا) تَكَرَّرَ النُّشُوزُ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>