للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي حَالَهُمَا مَنَعَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِيَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا، وَالْبَعْثُ وَاجِبٌ وَمِنْ أَهْلِهِمَا سُنَّةٌ، وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا لَا حَكَمَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، فَيُوَكِّلُ هُوَ حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ وَتُوَكِّلُ هِيَ حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ، وَيُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا إنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا. وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا إسْلَامٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَاهْتِدَاءٌ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ بَعْثِهِمَا لَهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ. وَيُسَنُّ كَوْنُهُمَا ذَكَرَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) أَيْ الْخِلَافُ، مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّقِّ وَهُوَ النَّاحِيَةُ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، وَقَبْلَهُ مَرْتَبَةٌ حَذَفَهَا الشَّارِحُ تَقْدِيرُهَا: فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الظَّالِمُ مِنْهُمَا عَنْ ظُلْمِهِ أَحَالَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِأَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ هِيَ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَعْدَ أَنْ أَحَالَ بَيْنَهُمَا إلَخْ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الشِّقَاقُ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ. وَقَوْلُهُ: " وَمِنْ أَهْلِهِمَا " أَيْ وَكَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِمَا سُنَّةٌ.

قَوْلُهُ: (بَعَثَ) أَيْ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: ٣٥] إلَى قَوْلِهِ: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] وَالضَّمِيرَانِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يُرِيدَا} [النساء: ٣٥] وَقَوْلِهِ: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] مَرْجِعُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْحَكَمَانِ وَالثَّانِي الزَّوْجَانِ، وَقِيلَ هُمَا لِلْحَكَمَيْنِ، وَقِيلَ لِلزَّوْجَيْنِ.

وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْلَحَ نِيَّتَهُ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ مُبْتَغَاهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَهُمَا وَكِيلَانِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ رَشِيدَانِ، فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا إذْ الْبُضْعُ حَقُّهُ وَالْمَالُ حَقُّهَا وَقِيلَ حَاكِمَانِ لِتَسْمِيَتِهِمَا فِي الْآيَةِ حَكَمَيْنِ، وَقَدْ يُوَلِّي عَلَى الرَّشِيدِ كَالْمُفْلِسِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي غَيْرِ ذَاتِهِ وَهُوَ الْمَالُ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ اشْتِرَاطُ الرِّضَا بِالْبَعْثِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اهـ. وَيَنْعَزِلَانِ بِمَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَلَوْ جُنَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَكَمَيْنِ حَالَهُمَا انْعَزَلَ حُكْمُهُ؛ لَا إنْ غَابَ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ جَعَلَا وَكِيلَيْنِ فَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ أَوْ حَكَمَيْنِ فَيُعْتَبَرُ دَوَامُ الْخُصُومَةِ وَبَعْدَ الْجُنُونِ لَا يُعْرَفُ دَوَامُهَا. اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ. قَوْلُهُ: (بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ) وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلٍ فِي طَلَاقٍ أَنْ يُخَالِعَ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ وَإِنْ أَفَادَهُ مَالًا فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ وَلَا لِوَكِيلٍ فِي خُلْعٍ أَنْ يُطَلِّقَ مَجَّانًا. اهـ. س ل. وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ الْخُلْعِ عَقِبَ هَذَا الْفَصْلِ، وَأَيْضًا الْغَالِبُ حُصُولُ الْخُلْعِ عَقِبَ الشِّقَاقِ.

قَوْلُهُ: (وَقَبُولِ طَلَاقٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا. قَوْلُهُ (وَيُفَرَّقَا) عَطْفٌ عَلَى " لِيَنْظُرَا ".

قَوْلُهُ: (إنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا) وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْتَاطَ، فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِحَكَمِهِ: خُذْ مَالِي مِنْهُ وَطَلِّقْ أَوْ خَالِعْ أَوْ عَكْسُهُ تَعَيَّنَ أَخْذُ الْمَالِ أَوَّلًا، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقْ أَوْ خَالِعْ ثُمَّ خُذْ جَازَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ وَعَكْسُهُ؛ كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الزِّيَادِيِّ مُخَالَفَتُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْفِيَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ شَيْئًا إذَا اخْتَلَى بِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ الْحَكَمَيْنِ إسْلَامٌ أَيْ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ، وَكَذَا التَّكْلِيفُ اللَّازِمُ لِلْعَدَالَةِ بِرْمَاوِيٌّ. فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمَا وَكِيلَيْنِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، وَالْمُرَادُ عَدَالَةُ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَيُسَنُّ كَوْنُهُمَا ذَكَرَيْنِ ق ل.

تَنْبِيهٌ: شَرَطَ فِي حُكْمِهَا الرُّشْدَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهَةِ دُونَ حُكْمِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَاهْتِدَاءٌ إلَى الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الْإِصْلَاحُ أَوْ التَّفْرِيقُ.

قَوْلُهُ: (بَعَثَ غَيْرَهُمَا) فَإِنْ عَجَزَا عَنْ تَوَافُقِهِمَا أُدِّبَ الظَّالِمُ وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ، أَيْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>