للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُقُوطُ مَا وَجَبَ، حَتَّى لَوْ نَشَزَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَهِيَ نَاشِزَةٌ. فَلَا وُجُوبَ؛ وَلَا يُقَالُ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ فَرْعُ الْوُجُوبِ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سُقُوطِ الْكِسْوَةِ بِالنُّشُوزِ اكْتِفَاءً. بِجَعْلِهِمْ الْكِسْوَةَ تَابِعَةً لِلنَّفَقَةِ تَجِبُ بِوُجُوبِهَا وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

تَتِمَّةٌ: لَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ حَقَّهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ إذَا طَلَبَتْهُ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَأَذَاهَا بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُعَزِّرُهُ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَطَلَبَتْ تَعْزِيرَهُ مِنْ الْقَاضِي عَزَّرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إذَا طَلَبَتْهُ؛ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ. وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا بِثِقَةٍ يُخْبِرُهُمَا وَيَكُونُ الثِّقَةُ جَارًا لَهُمَا. فَإِنْ عُدِمَ أَسَكَنَهُمَا بِجَنْبِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَجَبَ وَمَنْعِ مَا لَمْ يَجِبْ. وَالْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ قَبْلَ الْفَجْرِ يُسْقِطُ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ اللَّيْلُ تَابِعًا لِلنَّهَارِ وَيَمْنَعُ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الَّذِي طَلَعَ فَجْرُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ أَيْضًا، أَيْ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ بِفَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ وَإِنْ رَجَعَتْ فِي أَثْنَائِهِ. اهـ. قَلْيُوبِيٌّ. وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ قَبْلَ الْحُصُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ مُرَادُهُ الْأَعَمُّ، فَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْعُ الْوُجُوبِ أَيْ مَا يَشْمَلُ مَنْعَ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: " لَا سُقُوطُ مَا وَجَبَ " أَيْ لَا خُصُوصُ سُقُوطِ مَا وَجَبَ الَّذِي فَهِمَهُ الْبَعْضُ وَاعْتُرِضَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَمْثِيلُهُ. وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا أَنَّ قَوْلَهُ مَنْعُ الْوُجُوبِ أَيْ مَا يَعُمُّ مَنْعَ الْوُجُوبِ أَوْ الْمُرَادُ مَنْعُ الْوُجُوبِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ) حَاصِلُهُ أَنَّ النُّشُوزَ إذَا صَادَفَ أَوَّلَ فَصْلِ الْكِسْوَةِ سَقَطَتْ كِسْوَةُ ذَلِكَ الْفَصْلِ وَلَوْ رَجَعَتْ إلَى الطَّاعَةِ فِيهِ، وَإِذَا طَرَأَ النُّشُوزُ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ كِسْوَةِ جَمِيعِ الْفَصْلِ وَإِنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ فِي الْحَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا سُقُوطَ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ حَقَّهَا) شُرُوعٌ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ أَوْ نُشُوزِهِمَا. قَوْلُهُ (أَلْزَمَهُ الْقَاضِي) أَيْ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا، وَإِلَّا أَلْزَمَ وَلِيَّهُ بِمَا ذُكِرَ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ اهـ زِيَادِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ) الْخُلُقُ السَّجِيَّةُ وَالطَّبْعُ، وَهُوَ بِضَمَّتَيْنِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (وَأَذَاهَا بِضَرْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ وَلَوْ كَانَ يَتَعَدَّى عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ لَهَا اسْتِعْطَافُهُ بِمَا يُحِبُّ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا، كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى) بَلْ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِهَا فَيُعَزِّرُهَا مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا) أَيْ لِأَجْلِهَا. قَوْلُهُ: (بِثِقَةٍ) وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعَدُّدُهُ لِعُسْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ عَدْلُ الرِّوَايَةِ كَمَا قَالَهُ حَجّ؛ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ظُلْمِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ. قَوْلُهُ: (يَخْبُرُهُمَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ أَيْ يَعْرِفُ أَحْوَالَهُمَا ق ل. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: خَبَرَ الْأَمْرَ عَلِمَهُ وَبَابُهُ نَصَرَ وَالِاسْمُ الْخُبْرُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُدِمَ) أَيْ الْجَارُ الثِّقَةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ جَارًا وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ.

قَوْلُهُ: (مُنِعَ الظَّالِمُ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ فَلَا يُعَزَّرُ الزَّوْجُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَالَ بَيْنَهُمَا بِلَا طَلَاقٍ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ النَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْإِحَالَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزِّيَادِيِّ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَالَ بِلَا طَلَاقٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَرْجِعَا عَنْ حَالِهِمَا، قَالَ الزِّيَادِيُّ: فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَإِنَّمَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ وَمَنَعَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا فَلَمْ يَمْتَنِعْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مِنْ جَرَاءَتِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَى بِهَا أَفْرَطَ فِي إضْرَارِهَا أَحَالَ وُجُوبًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ابْتِدَاءً مَرَّةً. وَقَوْلُهُ: " أَحَالَ بَيْنَهُمَا " أَيْ فِي الْمَسْكَنِ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةُ الْمُؤْنَةِ؛؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ السُّكْنَى تَعُودُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ لَا يَتَأَتَّى مَعَهَا قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ إلَخْ؛ وَلِذَا ذَكَرَ م ر الْحَيْلُولَةَ فِي تَعَدِّي الزَّوْجِ فَقَطْ. وَقَدْ يُقَالُ: يُمْكِنُ اشْتِدَادُ الشِّقَاقِ مَعَ الْحَيْلُولَةِ بِصُعُودِ حَائِطٍ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>