هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ وَشَرْعًا حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَعَرَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَالسُّنَّةُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ» . وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ وَمَحِلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ وَمُطَلِّقٌ وَشَرْطٌ فِي الْمُطَلِّقِ وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ تَكْلِيفٌ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عِدَّتُهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ ثَابِتَةً لَهُ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَشَكَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يُطَلِّقُهَا وَيُرَاجِعُهَا يُضَارِرْهَا بِذَلِكَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] » يَعْنِي الطَّلَاقَ الَّذِي تُمْلَكُ الرَّجْعَةُ عَقِبَهُ مَرَّتَانِ. اهـ. م د وَتَعْتَرِيه الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَطَلَاقِ الْمَوْلَى أَوْ الْحَكَمَيْنِ كَمَا مَرَّ وَيَكُونُ حَرَامًا كَطَلَاقِ الْبِدْعَةِ وَيَكُونُ مَنْدُوبًا كَطَلَاقِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ لَا يَمِيلُ إلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَبِأَمْرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِغَيْرِ تَعَنُّتٍ وَمِنْهُ طَلَاقُ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ سُوءَ الْخُلُقِ غَالِبٌ فِي النِّسَاءِ أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» كِنَايَةٌ عَنْ نُدْرَةِ وُجُودِهَا إذْ الْأَعْصَمُ وَهُوَ أَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ قِ ل عَلَى الْجَلَالِ
قَوْلُهُ (هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَيْدِ أَعَمُّ مِنْ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ لِيَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَاقَةٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَوِيُّ خِلَافَ ظَاهِرِ التَّعْبِيرِ بِالْحَلِّ وَالْمُرَادُ بِالْحَلِّ الْمَعْنَوِيِّ إزَالَةُ الْعَلَقَةِ الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَوْلُهُ (تَصَرُّفٌ) سَمَّاهُ تَصَرُّفًا لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَيْ بِالطَّلَاقِ قَوْلُهُ (بِلَا سَبَبٍ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ خَاصٍّ وَقَيَّدَ بِذَلِكَ لِإِخْرَاجِ الْفَسْخِ فَإِنَّ لَهُ أَسْبَابًا خَاصَّةً كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ قَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي وُقُوعِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] أَيْ عَدَدُ الطَّلَاقِ الَّذِي تُمْلَكُ الرَّجْعَةُ عَقِبَهُ مَرَّتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ قَبْلَ الْمُبْتَدَأِ لِيَكُونَ الْمُبْتَدَأُ عَيْنَ الْخَبَرِ قَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٢٩] أَيْ بِالرَّجْعَةِ
قَوْلُهُ (لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ عَنْ الطَّلَاقِ لَا حَقِيقَةُ الْبُغْضِ وَهُوَ الِانْتِقَامُ أَوْ إرَادَتُهُ مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَرَامِ لَا فِي الْحَلَالِ اهـ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ النِّكَاحِ وَلَمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ وَأَهْلِهَا وَأَوْلَادِهَا إنْ كَانَ لَهَا أَوْلَادٌ قَالَهُ ح ل وَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ الْبُغْضِ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الرِّضَا وَهَذَا صَادِقٌ بِالْمَكْرُوهِ كَالْحَرَامِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالْحِلِّ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجَائِزُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر
قَوْلُهُ (وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ) فِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ لِلْمُطَلِّقِ فَالْمُنَاسِبُ جَعْلُهُمَا مِنْ شُرُوطِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل قَوْلُهُ (وَقَصْدٌ) أَيْ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَاهُ وَمَحَلِّهِ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ كَالْمُدَرِّسِ وَاَلَّذِي يَحْكِي كَلَامَ غَيْرِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ صَارِفٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدٌ قَوْلُهُ (وَمُطَلِّقٌ) لَمْ يَقُلْ زَوْجٌ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ الزَّوْجِ كَالْقَاضِي فِي طَلَاقِهِ عَنْ الْمُوَلَّى قَوْلُهُ (وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا حَالَ التَّعْلِيقِ وَإِنْ جُنَّ حَالَ الْوُقُوعِ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ الْمُرَاهِقُ إذَا بَلَغْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ بَلَغَ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَوْ قَالَ إذَا أَفَقْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَفَاقَ لِأَنَّا إذَا أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ أَوْقَعْنَاهُ بِقَوْلِهِمَا السَّابِقِ وَقَوْلُهُمَا لَا يَصِحُّ فِي الْحَالِ فَكَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زي
قَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) شَمَلَ النَّائِمَ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَصَى بِالنَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَأَنْ نَامَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ اسْتِيقَاظُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا يَجْلِبُ النَّوْمَ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ أَنَّ مِثْلَهُ يُوجِبُ النَّوْمَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ بِأَنَّ الْعَقْلَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُهَا فِي سَائِرِ الْمِلَلِ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَبُ اسْتِعْمَالُ مَا يُحَصِّلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ رَاحَةِ الْبَدَنِ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute