مُكَلَّفٍ لِخَبَرِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» إلَّا السَّكْرَانَ فَيَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَاخْتِيَارًا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ لِإِطْلَاقِ خَبَرِ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ. وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ مُكْرِهٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ عَاجِلًا ظُلْمًا وَعَجْزُ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» تَتِمَّتُهُ «عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ رُفِعَ عَنْهُمْ الْقَلَمُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُمْ وَالْمُرَادُ قَلَمُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا قَلَمُ خِطَابِ الْوَضْعِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِمْ بِدَلِيلِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ رَبْطُ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ وُقُوعَهُ عَلَيْهِمْ وَيُجَابُ بِأَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ كَحُرْمَةِ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِمْ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ مَرْفُوعٌ فَيَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ رَفْعُ الْمَلْزُومِ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فِي غَيْرِهَا فَثَابِتٌ كَالْإِتْلَافِ لِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ
قَوْلُهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) أَيْ الْمُتَعَدِّيَ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا فَيَقَعُ مِنْهُ أَيْ وَلَوْ بِكِنَايَةٍ إنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ وَإِنْ نَوَى وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ إفَاقَتِهِ عَدَمَ التَّعَدِّي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْ إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ كَأَنْ كَانَ مُدْمِنَ خَمْرٍ فَلَا يُصَدَّقُ أَصْلًا كَمَا هُوَ مُعْتَمَدٌ م ر فِي دَرْسِهِ وَعِبَارَةُ م ر وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مِنْهُ فَمَحَلُّ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ السَّابِقِ إنَّمَا هُوَ بِالصَّرِيحِ فَقَطْ مَرْدُودٌ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ بِأَنَّ الصَّرِيحَ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالسَّكْرَانُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا فَكَمَا أَوْقَعُوهُ بِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ فَكَذَلِكَ هِيَ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ اهـ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَعْنَوِيٌّ فَإِنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا خِطَابَ تَكْلِيفٍ حَالَ عَدَمِ فَهْمِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُكَلَّفٌ عَنَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حُكْمًا أَيْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ. اهـ.
قَوْلُهُ (كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ قَوْلُهُ (تَغْلِيظًا عَلَيْهِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ قَوْلُهُ (مِنْ مُكْرَهٍ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَخَرَجَ مَا كَانَ بِحَقٍّ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى وَاحِدَةً بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَأْمُرُهُ أَوَّلًا بِالْوَطْءِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَالَبَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْقَاضِي يُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. اهـ. م د مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُوَرِّ) كَأَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَوْ يَقْصِدَ بِالطَّلَاقِ الْحَلَّ مِنْ الْوَثَاقِ أَوْ بِطَلَّقْتُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ الْإِكْرَاهِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا قَبْلَ نَوْمِهِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ غَلَبَتِهِ بِوَجْهٍ أَيْ فَإِنْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى غَلَبَهُ النَّوْمُ حَنِثَ وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالتَّمَكُّنِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ النَّوْمُ بِوُجُودِ مَنْ يَسْتَحْيِ مِنْ الْوَطْءِ بِحُضُورِهِمْ عَادَةً عِنْدَهُ كَمَحْرَمِهِ وَزَوْجَةٍ لَهُ وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَجُعِلَ ذَلِكَ عُذْرًا وَيُرَادُ بِالتَّمَكُّنِ التَّمَكُّنُ الْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَبْعُدْ وَيَبَرُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فَقَطْ مَا لَمْ يُرِدْ بِالْوَطْءِ قَضَاءَ الْوَطَرِ. اهـ.
وَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَجَدَهَا مَرِيضَةً مَرَضًا لَا تُطِيقُ مَعَهُ الْوَطْءَ فَلَا حِنْثَ وَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا وَمَا لَوْ حَلَفَتْ لَتَصُومَنَّ غَدًا فَحَاضَتْ وَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنه غَدًا فَأَعْسَرَ قَوْلُهُ «فِي إغْلَاقٍ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابًا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ) أَيْ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدٍ كَوْنُهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (قُدْرَةُ مُكْرِهٍ) ذَكَرَ الشَّارِحُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطًا ثَلَاثَةً وَبَقِيَ أَنْ لَا تَظْهَرَ مِنْهُ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ عَدَلَ عَنْ اللَّفْظِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ مِنْ الطَّلْقَاتِ أَوْ عَلَى صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولَ طَلَّقْت أَوْ عَلَى طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ فَخَالَفَ بِأَنْ وَحَّدَ أَوْ ثَنَّى أَوْ كَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ سَرَّحَ أَوْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً وَقَعَ بَلْ لَوْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ لِاخْتِيَارِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَوْلُهُ (بِوِلَايَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقُدْرَةٍ قَوْلُهُ (عَاجِلًا ظُلْمًا) حَالَانِ مِنْ مَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute