للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ وَظَنَّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَ مَا هَدَّدَهُ بِهِ، وَيَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِتَخْوِيفٍ بِمَحْذُورٍ كَضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَحَبْسٍ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ بِقَوْلِهِ: (وَالطَّلَاقُ ضَرْبَانِ) فَقَطْ (صَرِيحٌ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (وَكِنَايَةٌ) وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ كَمَا سَيَأْتِي، فَانْحَصَرَ الطَّلَاقُ فِي هَذَيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَعْتَادُ الْحِرَاثَةَ لِشَخْصٍ فَتَشَاجَرَ مَعَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إنَّهُ لَا يَحْرُثُ لَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَشَكَاهُ لِشَادِّ الْبَلَدِ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْحِرَاثَةِ لَهُ تِلْكَ السَّنَةَ وَهَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَحْرُثْ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُشْتَرَطُ تَجَدُّدُ الْإِكْرَاهِ مِنْ الشَّادِّ الْمَذْكُورِ بَلْ يَكْفِي مَا وُجِدَ مِنْهُ أَوَّلًا حَيْثُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ جَمِيعَ السَّنَةِ عَلَى الْعَادَةِ بَلْ لَوْ قَالَ لَهُ اُحْرُثْ جَمِيعَ السِّنِينَ وَكَانَ حَلَفَ إنَّهُ لَا يَحْرُثُ لَهُ أَصْلًا لَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لَمْ يَحْنَثْ مَا دَامَ الشَّادُّ مُتَوَلِّيًا فَإِنْ عُزِلَ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الْحَرْثِ حَنِثَ بِالْحَرْثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ فَحَلَفَ إنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِحَقٍّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر

قَوْلُهُ (وَعَجْزُ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ دَفْعِهِ) لَا يُقَالُ هُوَ عِنْدَ قُدْرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْهَرَبِ مَثَلًا لَا يَصِيرُ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّا نَقُولُ قُدْرَةُ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ عَلَى الْهَرَبِ لَا تُنَافِي قُدْرَةَ الْمُكْرِهِ عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ كَمَا فِي ح ل قَوْلُهُ (وَظَنُّهُ) فَلَوْ بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْوُقُوعِ أَيْضًا قَوْلُهُ (بِتَخْوِيفٍ) الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْهُلُ ارْتِكَابُهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ لَيْسَ إكْرَاهًا وَعَكْسُهُ إكْرَاهٌ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ (كَضَرْبٍ شَدِيدٍ) وَيَخْتَلِفُ الضَّرْبُ وَغَيْرُهُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ حَتَّى قَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ بِحَضْرَةِ الْمَلَأ إكْرَاهٌ فِي حَقِّ ذَوِي الْمُرُوآتِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ إنَّ الِاسْتِخْفَافَ فِي حَقِّ الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ الشَّتْمَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ إكْرَاهٌ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا بِزَوْجَتِهِ أَوْ قَتْلُ وَلَدِهِ أَوْ الْفُجُورُ بِهِ؟ وَهَلْ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ اعْتَادَ الْقِيَادَةَ عَلَيْهَا وَفِي الرَّوْضِ أَنَّ التَّخْوِيفَ بِقَتْلِ الْوَلَدِ إكْرَاهٌ فِي الطَّلَاقِ وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا أَنَّ مِنْ الْإِكْرَاهِ التَّهْدِيدَ بِقَتْلِ بَعْضِ مَعْصُومٍ وَإِنْ عَلَا أَوْ سَفَلَ وَكَذَا رَحِمٍ وَنَحْوَ جَرْحِهِ جَرْحًا شَدِيدًا أَوْ فُجُورًا بِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِكْرَاهِ قَوْلُ مَنْ ذَكَرَ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي مَا لَمْ يَكُنْ نَحْوَ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ ح ل بِزِيَادَةٍ مِنْ ق ل

قَوْلُهُ (كَحَبْسٍ) أَيْ طَوِيلٍ عُرْفًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَمِنْهُ حَبْسُ دَوَابِّهِ حَبْسًا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَمِنْ الْإِكْرَاهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي وَإِلَّا أَطْعَمْتُك سُمًّا مَثَلًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ (الثَّانِي) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ قَوْلُهُ (صَرِيحٌ إلَخْ) وَالْعِبْرَةُ فِي الْكُفَّارِ فِي الصَّرِيحِ بِمَا يَعْتَقِدُونَ صَرَاحَتَهُ وَإِنْ خَالَفَ مَا عِنْدَنَا لِأَنَّا نَعْتَبِرُ اعْتِقَادَهُمْ فِي عُقُودِهِمْ فَكَذَا فِي طَلَاقِهِمْ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا أَيْ إلَى حَاكِمِنَا وَأَمَّا الْمُفْتِي فَيُجِيبُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ (لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ) أَيْ إرَادَتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ اعْتِبَارِ قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ اهـ وَشَرْطُ وُقُوعِهِ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ رَفْعُ صَوْتِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا عَارِضَ وَلَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ

وَقَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ) أَيْ وَلَا بِصَوْتٍ خَفِيٍّ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَقَوْلُهُ (عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ سَيِّدِنَا مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَقَعُ بِنِيَّتِهِ. اهـ. حَجّ بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ (لَمْ يُقْبَلْ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يُفِدْ إذْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَأَيْضًا هُوَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ وَلَكِنَّ قَبُولَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ عَدَمُ النِّيَّةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الصَّرِيحِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ صَوَابُهُ لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ وَإِنْ قَبِلْنَاهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ إيقَاعٍ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى نِيَّةِ الْإِيقَاعِ أَوْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ (وَكِنَايَةٍ) وَهِيَ التَّكَلُّمُ بِكَلَامٍ يُرِيدُ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ وَلَعَلَّ هَذَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ فَهِيَ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الْمُرَادَ وَغَيْرَهُ فَيَحْتَاجُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ لِنِيَّةِ الْمُرَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>