للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ مَثَلًا، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِنَايَاتِ. وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ أَنْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْكِنَايَةِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِلَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَإِشَارَةِ نَاطِقٍ وَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ بِطَلَاقٍ كَأَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اذْهَبِي لَغْوٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْعِبَارَةِ إلَى الْإِشَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلطَّلَاقِ وَإِنْ قَصَدَهُ بِهَا فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا. وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَفِي الْأَقَارِيرِ وَفِي الدَّعَاوَى وَفِي الْحُلُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَاسْتَثْنَى فِي الدَّقَائِقِ شَهَادَتَهُ وَإِشَارَتَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ، فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ مَثَلًا بِإِشَارَتِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ فَطِنٍ وَغَيْرِهِ فَصَرِيحَةٌ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِطَلَاقِهِ بِإِشَارَتِهِ فَطِنُونَ فَكِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ) كَبَائِنٍ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَصْدِهِ) فَلَوْ ادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ نَوَى وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَحُكِمَ بِالطَّلَاقِ فَرُبَّمَا اعْتَمَدَتْ عَلَى قَرَائِنَ مِنْهُ تُجَوِّزُ الْحَلِفَ سم. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَلْت حَرُمْت وَقَعَتْ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ، فَلَوْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ، فَلَوْ رَاجَعَهَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الثَّالِثَةُ وَبَانَتْ مِنْهُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَالْمُخَلِّصُ لَهُ الصَّبْرُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَعْقِدُ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِشَارَةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَغْوٌ أَيْ فِي الطَّلَاقِ أَمَّا الْعَدَدُ فَلَا يُلْغَى، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَقَعَ الْعَدَدُ بِالْإِشَارَةِ مَعَ نِيَّتِهِ حِينَ التَّلَفُّظِ بِطَالِقٍ أَوْ مَعَ قَوْلِهِ هَكَذَا، وَيُصَدَّقُ فِي الْعَدَدِ. قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَقَعَ الثَّلَاثُ تَنْزِيلًا لِلْإِشَارَةِ مَنْزِلَةَ النِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِعَدَدِ الْأُصْبُعَيْنِ الْمَقْبُوضَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ) أَيْ مِنْ النَّاطِقِ ق ل؛ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا نَادِرًا) أَيْ بِقَرِينَةٍ عُرْفِيَّةٍ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَصْلِيٌّ أَوْ طَارِئٌ وَمِنْهُ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ بِخِلَافِ مَنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى اللِّعَانِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْخَطِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كِتَابَتَهُ كِنَايَةٌ كَالنَّاطِقِ.

قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى فِي الدَّقَائِقِ شَهَادَتَهُ إلَخْ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِشَارَةِ أَيْ؛ لِأَنَّهَا يُحْتَاطُ لَهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِإِشَارَتِهِ، أَيْ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَبْطُلُ بِحَرْفَيْنِ أَوْ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ، أَيْ بِالنُّطْقِ بِذَلِكَ؛ فَلَوْ بَاعَ فِي صَلَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَبِهِ يُلْغِزُ وَيُقَالُ: لَنَا إنْسَانٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا عَالِمًا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الثَّلَاثَةَ بِقَوْلِهِ:

إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِثْلُ نُطْقِهِ ... فِيمَا عَدَا ثَلَاثَةٍ لِصِدْقِهِ

فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ ... تِلْكَ ثَلَاثَةٌ بِلَا زِيَادَةِ

قَوْلُهُ " وَالشَّهَادَةِ " أَيْ أَدَائِهَا، وَأَمَّا تَحَمُّلُهَا فَيَصِحُّ مِنْهُ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الْحَلِفِ) سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِالْعِبَارَةِ أَمْ بِالْإِشَارَةِ عَلَى الرَّاجِحِ، خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ خَصَّ عَدَمَ الْحِنْثِ بِالْحَلِفِ بَعْدَ الْخَرَسِ. اهـ. بَابِلِيٌّ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَا فِي حِنْثٍ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ خَرِسَ أَوْ أَشَارَ بِالْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ ثُمَّ أَشَارَ بِهِ لَا حِنْثَ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّهُ لَوْ حَلَفَ الْأَخْرَسُ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعِدُّهُ الْعُرْفُ تَكَلُّمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ وَهُوَ نَاطِقٌ ثُمَّ إنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يُعِدُّهُ تَكَلُّمًا اهـ. وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُوَ الظَّاهِرُ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ إشَارَتَهُ إلَى الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ فِيهَا خِلَافٌ، وَمَالَ شَيْخُنَا كَالْخَطِيبِ إلَى الْحُرْمَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوجِبُوهَا عَلَيْهِ لِلْعَاجِزِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ اهـ كَمَا فِي ق ل.

قَوْلُهُ: (فَصَرِيحَةٌ) كَأَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ طَلَّقَهَا فَيُشِيرُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَيْهَا شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَصَّ بِطَلَاقِهِ) أَيْ بِفَهْمِ طَلَاقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>