طَلْقَاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] » وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا رِقَّ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» . وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ «؛ لِأَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَبِينُ بِاللِّعَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَهُ هُوَ وَمَنْ حَضَرَهُ.
(وَ) يَمْلِكُ (الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ) فَقَطْ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا: «طَلَاقُ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ»
ــ
[حاشية البجيرمي]
قِيلَ نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ لَمَّا قَالَ إنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَن بِعَائِشَةَ وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا كَمَا قَالَ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِيسَ بِزَوْجَتِهِ أَمَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ الْمَنْعَ أَقْوَى مَعْنًى وَخَرَجَ بِالْمَدْخُولَةِ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَتُهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ حَرُمَتْ إنْ مَاتَ عَنْهَا. وَفِيمَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. هَذَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ الْمُخَيَّرَةُ فِرَاقَهُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ فِيهَا الْخِلَافَ؛ وَالْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا مَعْنًى لِلتَّخْيِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَحَكَوْا فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً) وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَجَعَلَ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ النِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ؛ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] فَإِنْ قِيلَ: الطَّلَاقُ لَيْسَ مَرَّتَيْنِ بَلْ ثَلَاثٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ عَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي تَحِلُّ بَعْدَهُ الرَّجْعَةُ مَرَّتَانِ أَيْ طَلْقَتَانِ، وَلَمْ يَقُلْ ثِنْتَانِ أَوْ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً مَرَّةً ثُمَّ أُخْرَى مَرَّةً. اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: وَالْحُكْمُ عِنْدَنَا فِي إيقَاعِ الثِّنْتَيْنِ فِي مَرَّةٍ الْكَرَاهَةُ وَقَوْلُهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى إلَخْ عَنْ بِمَعْنَى بَعْدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: ١٩] أَيْ سُئِلَ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ بَعْدَهُ لَا عَنْهُ. قَوْلُهُ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] أَيْ طَلَاقٌ لَا إثْمَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» أَيْ مُعْتَبَرٌ بِهِمْ أَيْ أَصَالَةً فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ أَوْ تَوَكَّلَتْ فِي طَلَاقِ بِنْتِهَا مَثَلًا وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ عَرْضِيٌّ، قَالَ ق ل: وَالْمُرَادُ بِالرِّجَالِ وَلَوْ احْتِمَالًا فَيَدْخُلُ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْوُقُوعِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَقَدَ الْخُنْثَى عَلَى أُنْثَى ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْعَقْدِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِتَبَيُّنِ صِحَّةِ النِّكَاحِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إلَخْ " غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَكُونُ زَوْجًا فِي حَالِ إشْكَالِهِ وَحِينَئِذٍ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ) وَلَوْ مَعَ أَكْثَرَ مِنْهَا نَحْوُ سَبْعِينَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عُمَيْرًا الْعَجْلَانِيَّ) صَوَابُهُ عُوَيْمِرٌ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَالْعَجْلَانِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى عَجْلَانَ اسْمُ قَبِيلَةٍ، مَنْقُولٌ مِنْ قَوْلِهِمْ هُوَ عَجْلَانُ بِمَعْنَى مُسْتَعْجِلٍ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ. وَقَدْ يُقَالُ عَدَمُ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ حَصَلَتْ قَبْلَهُ بِاللِّعَانِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْهُ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ يَحْرُمُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ سَوْقِ عِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ: وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدَةٍ أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ الثَّلَاثَ طَلْقَاتٍ فَقَطْ وَإِنْ اخْتَارَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَاقْتَدَى بِهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَابْتَدَعَ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا أَيْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ: إنَّهُ ضَالٌّ،،،، مُضِلٌّ أَيْ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَمْلِكُ الْعَبْدُ) أَيْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ كَمَا ذَكَرَهُ، وَبِهَذَا يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا عَبْدٌ يَمْلِكُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ سَيِّدُهُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا