للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى طَلَاقَك وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ فِي الْأُولَى وَبِعَدَمِهَا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الطَّلَاقِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيقَ بِأَنْ سَبَقَ إلَى لِسَانِهِ لِتَعَوُّدِهِ بِهَا كَمَا هُوَ الْأَدَبُ أَوْ قَصَدَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ قَصَدَ بِهَا التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَمْ لَا حَنِثَ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ. وَكَذَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَادَ نِيَّةِ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ وَانْعِقَادِ تَعْلِيقٍ وَانْعِقَادِ عِتْقٍ وَانْعِقَادِ يَمِينٍ وَانْعِقَادِ نَذْرٍ وَانْعِقَادِ كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا حَقُّهُ الْجَزْمُ كَبَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَإِجَارَةٍ. وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا لِصُورَةِ النِّدَاءِ الْمُشْعِرِ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ حَالَتَهُ.

وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَتَوَقُّعِ الْحُصُولِ كَمَا يُقَالُ لِلْقَرِيبِ مِنْ الْوُصُولِ أَنْتَ وَاصِلٌ وَلِلْمَرِيضِ الْمُتَوَقَّعِ شِفَاؤُهُ أَنْتَ صَحِيحٌ فَيَنْتَظِمُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مِثْلِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ: (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ (بِالصِّفَةِ) فَتَطْلُقُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَشِيئَةِ الْآدَمِيِّينَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى وُقُوعِ الْمَشِيئَةِ مِنْهُمْ، أَوْ عَدَمِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) لَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَدَاةُ شَرْطٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ سِتَّةٍ لَا تَمْنَعُ الْوُقُوعَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ رَفْعِ حُكْمِ الْيَمِينِ، وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْإِطْلَاقَ يُبْطِلُ النِّيَّاتِ لَا غَيْرَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا إلَخْ. وَالضَّابِطُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ يَرْفَعُ كُلَّ عَقْدٍ وَحَلٍّ وَيُبْطِلُ كُلَّ عِبَادَةٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَكَانَ فِي الْعِبَادَةِ مَنَعَ الِانْعِقَادَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَمْنَعُهُ اهـ م د. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ صُوَرَ الْحِنْثِ سِتَّةٌ، وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَأَلْحَقَ الْإِطْلَاقَ هُنَا بِالتَّبَرُّكِ وَفِي الْوُضُوءِ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ جَزْمٌ فَتَبْطُلُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَأَيْضًا فَقَدْ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُنَافِيه بَلْ بِمَا يُلَائِمُهُ اهـ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ لَا وَهَلْ ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ أَوْ لَا فَهُوَ مِثْلُ التَّبَرُّكِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ) أَيْ وَكَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّبَرُّكِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَانِعٌ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَانْعِقَادِ تَعْلِيقٍ) نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ إلَخْ لَكِنْ مَعَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا مَعَ الْإِطْلَاقِ وَلَا مَعَ قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الْقَيْدَ الْمُتَقَدِّمَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الِاحْتِيَاطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْإِيضَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيقَ اللَّفْظِيَّ بِالْمَشِيئَةِ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِبَادَةِ وَانْعِقَادَ سَائِرِ الْعُقُودِ وَيَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعِنْدَ قَصْدِ التَّبَرُّكِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَصِحُّ الْعِبَادَةُ وَتَنْعَقِدُ الْعُقُودُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ فَقَطْ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ وَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَصَرُّفٍ مِنْ عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِكَوْنِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا فِي حَالَةِ النِّدَاءِ. وَالْفَرْقُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ النِّدَاءَ يُشْعِرُ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاصِلُ) وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي وَصَفَهَا بِهِ لَا يُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ.

قَوْلُهُ: (فَيَنْتَظِمُ) أَيْ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَشِيئَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَخْ) وَالْأَعَمُّ أَنَّ التَّعْلِيقَ إمَّا بِالشَّرْطِ كَالْأَدَوَاتِ الْآتِيَةِ، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ نَحْوُ طَلَاقًا حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْبَحَهُ، وَإِمَّا بِالْأَوْقَاتِ نَحْوُ إلَى شَهْرِ كَذَا؛ وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ التَّخْلِيطِ فَلْيُتَأَمَّلْ ق ل، أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ الْأَوْقَاتَ أَمْثِلَةً لِلصِّفَةِ. وَعِبَارَةُ سم: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالصِّفَةِ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا وَلَيْسَتْ فِي حَالِ سُنَّةٍ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي حَالِ بِدْعَةٍ فِي الثَّانِي، فَتَطْلُقُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْحَالِ وَقَالَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ.

قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ) لِمَا وَرَدَ فِي الْعِتْقِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الطَّلَاقِ قِيسَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَالَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْوَقْتِ لَا بِالصِّفَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا، فَكَانَ عَلَى الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>