وَقَصَدَ بِهِ رَفْعَ حُكْمِ الْيَمِينِ وَتَلَفَّظَ بِهِ مُسْمِعًا بِهِ نَفْسَهُ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَلَوْ انْفَصَلَ زَائِدًا عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ ضَرَّ أَمَّا لَوْ سَكَتَ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ يَسِيرًا أَوْ نَوَاهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَمِينِ ضَرَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَنْ يَنْوِيَهُ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا أَوْ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْعَ حُكْمِ الْيَمِينِ أَوْ قَصَدَ بِهِ رَفْعَ الْيَمِينِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ أَوْ تَلَفَّظَ بِهِ وَلَمْ يُسْمِعْ بِهِ نَفْسَهُ عِنْدَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ أَوْ اسْتَغْرَقَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ضَرَّ، وَالْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ.
فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَيَصِحُّ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ إلَّا وَاحِدَةً طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاءُ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَلْفُوظِ لَا مِنْ الْمَمْلُوكِ فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ طَلْقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ وَقَعَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ طَلْقَةٍ بَعْضَ طَلْقَةٍ بَقِيَ بَعْضُهَا وَمَتَى بَقِيَ كَمُلَتْ.
تَنْبِيهٌ: يُطْلَقُ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْعًا عَلَى التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ثَلَاثًا نَوَاهُ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهِ أَيْ يَقْصِدُ حَالَ الْإِتْيَانِ بِهِ إخْرَاجَهُ مِمَّا بَعْدَهُ لِيَرْتَبِطَ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَتَلَفَّظَ بِهِ إلَخْ) فَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي الْإِتْيَانِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ الْمَشِيئَةِ الْآتِيَةِ صُدِّقَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَتْ سَمَاعَهَا لَهُ فَيُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا عَدَمُ إتْيَانِهِ بِهِ، فَلَوْ قَالَ أَنَا أَتَيْت بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَلْبِي وَلَمْ أَتَلَفَّظْ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَا نَوَيْت التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا وَأَنْكَرَتْ فَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُدَيَّنُ بَاطِنًا فَيَعْمَلُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَهُ غَيْرُهُ فَلَوْ قَالَ: قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زِيَادًا وَأَنْكَرَتْ الشَّرْطَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ سم عَلَى حَجّ.
ثُمَّ ذَكَرَ فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَبَيْنَ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ غَيْرِهِمَا فَقَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إسْمَاعُ الْغَيْرِ وَبَيْنَ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ غَيْرِهِمَا حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْمَاعُ الْغَيْرِ، أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ لَيْسَ رَافِعًا لِلطَّلَاقِ وَلَا لِبَعْضِهِ بَلْ مُخَصِّصٌ لَهُ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ، بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ فَإِنَّ مَا ادَّعَاهُ فِيهِمَا رَافِعٌ لِلطَّلَاقِ مِنْ أَصْلِهِ جَمِيعِهِ أَيْ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ انْفَصَلَ) شُرُوعٌ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَلَوْ قَالَ قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل.
فَرْعٌ: لَوْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَصْدِ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَسُئِلَ م ر عَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَأَنْشَأَ لَهُ غَيْرَهُ هَلْ يَنْفَعُهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ: إنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ نَفَعَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ أَنَّ مَشِيئَةَ الْغَيْرِ لَا تَنْفَعُهُ؛ أَمَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ لَا تَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي جَهْلِهِ بِهَذَا الْحُكْمِ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَوْ أَنْشَأَ لَهُ غَيْرَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ نَفْعَهُ لِجَهْلِهِ مَثَلًا؛ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ انْفَصَلَ. وَقَالَ م د: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَوْ نَوَاهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَغْرِقُ إلَخْ) فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ أَيْ مَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَصَحِيحٌ كَمَا فِي ق ل، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ، وَالْمَعْنَى هُنَا إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ تَقَعَانِ. وَمِنْ الْمُسْتَغْرِقِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ السَّابِقَةَ وَيَنْوِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ.
قَوْلُهُ: (كَمُلَتْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَغُلِّبَ جَانِبُ الْبَقَاءِ لِاعْتِضَادِهِ بِالِاسْتِمْرَارِ ق ل.
قَوْلُهُ: (يُطْلَقُ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْعًا إلَخْ) وَسُمِّيَتْ كَلِمَةُ الْمَشِيئَةِ اسْتِثْنَاءً لِصَرْفِهَا الْكَلَامَ عَنْ الْجَزْمِ وَالثُّبُوتِ حَالًا مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَشِيئَةِ اللَّهِ) أَيْ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ، وَجَمِيعُ شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْإِنْشَاءِ سِوَى الِاسْتِغْرَاقِ.
قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَوْ إذَا أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا، وَكَذَا فِي النَّفْيِ. وَمِثْلُ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةُ الْمَلَائِكَةِ بِخِلَافِ