للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) الرَّابِعُ (الْمُكْرَهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِخَبَرِ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ الْمُكْرَهِ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لِلطَّلَاقِ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ عَلَى طَلَاقٍ صَرِيحٍ فَكَنَّى وَنَوَى أَوْ عَلَى تَعْلِيقٍ فَنَجَّزَ أَوْ بِالْعَكْسِ لِهَذِهِ الصُّوَرِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا أَتَى بِهِ.

وَشَرْطُ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ الْمُكْرَهَ بِفَتْحِهَا تَهْدِيدًا عَاجِلًا ظُلْمًا بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ دَفْعِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا بِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ وَظَنُّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ حَقَّقَ فِعْلَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، فَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ لَأَقْتُلَنَّك غَدًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَبِظُلْمًا مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ لِلْجَانِي طَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا اقْتَصَصْتُ مِنْك لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا. وَيَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ طَوِيلٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ لِأَجْلِهِ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ. وَيَخْتَلِفُ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَسْبَابِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَفِي سَبَبٍ دُونَ آخَرَ، فَالْإِكْرَاهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُهُ وَلَا يُطَلِّقُ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي يَضِيقُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ فِي الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالضَّرْبُ الْيَسِيرُ فِي أَهْلِ الْمُرُوآتِ إكْرَاهٌ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ زَوْجَتِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَطَلَّقَهَا وَقَعَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ وَلَا يَقَعُ مَعَهُ الْمُعَلَّقُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

غَيْرِ مَسٍّ أَوْ جُنُونٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ) أَيْ عَنْ خَبْلٍ لَا عَنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ تَصَرُّفٍ ق ل.

قَوْلُهُ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» أَيْ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ وَالْإِتْلَافُ مَضْمُونٌ.

قَوْلُهُ: (فَطَلَّقَ وَاحِدَةً) وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا، فَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ وَافَقَهُ وَنَوَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ. قَوْلُهُ: (فَكَنَّى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ.

قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مَا إذَا ذَكَرَ زَمَنًا قَرِيبًا جِدًّا أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ. اهـ. فَتْحُ الْبَارِي عَلَى الْبُخَارِيِّ؛ لَكِنْ ضُعِّفَ م ر. وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَفِعْلُهُ كَذَلِكَ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ بَلْ أُنْسِيَ، فَلَوْ فَعَلَهُ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا مَثَلًا لَمْ يَقَعْ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ اهـ سم، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَسِيَتْ الْحَلِفَ وَدَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَلْ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ الدُّخُولُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ، فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ الِانْحِلَالُ اهـ. فَإِنْ صَحَّ مَا رَجَّحَهُ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ فِعْلَ النَّاسِي يُوجِبُ الِانْحِلَالَ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ انْتِفَاءَ الْفِعْلِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ النَّاسِي فِي بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْفِعْلَ.

قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) هِيَ فِي الدَّوْرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَدَمُ وُقُوعِهِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وَفِيمَا يَتَّبِعُ ذَلِكَ م د.

قَوْلُهُ: (وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ مُمْتَنِعٌ وَوُقُوعَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَالْمُنَجَّزِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ افْتِقَارُ الْمُعَلَّقِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ سَابِقًا عَلَى الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالْجَزَاءُ لَا يَتَقَدَّمُ فَيَلْغُوا اهـ عَمِيرَةُ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَقَعَ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ وَقِيلَ فِي مَسْأَلَةِ التَّطْلِيقِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَا مِنْ الْمُنَجَّزُ وَلَا مِنْ الْمُعَلَّقِ لِلدَّوْرِ، وَنُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَالْأَكْثَرِينَ؛ وَاشْتُهِرَتْ الْمَسْأَلَةُ بِابْنِ سُرَيْجٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَظْهَرَهَا، لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا لِتَصْرِيحِهِ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً فَاحِشًا؛ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>