للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَقَدْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ: «قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مَا لَوْ مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَنْ حَامِلٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ يَقِينًا لِعَدَمِ إنْزَالِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ مَمْسُوحٌ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ حَامِلٍ فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ إذَا لَا يَلْحَقُهُ وَلَدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ الَّذِي يَتَدَفَّقُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ وَلَمْ يُعْهَدْ لِمِثْلِهِ وِلَادَةٌ.

فَائِدَةٌ: حُكِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدِ بْنَ حَرْبَوَيْهِ قُلِّدَ قَضَاءَ مِصْرَ وَقَضَى بِهِ فَحَمَلَهُ الْمَمْسُوحُ عَلَى كَتِفِهِ وَطَافَ بِهِ الْأَسْوَاقَ وَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاضِي يُلْحِقُ أَوْلَادَ الزِّنَا بِالْخُدَّامِ وَيُلْحِقُ الْوَلَدَ مَجْبُوبًا قُطِعَ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ، فَتَعْتَدُّ الْحَامِلُ بِوَضْعِهِ لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ. وَكَذَا مَسْلُولٌ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ فَقَدْ يُبَالِغُ فِي الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ (حَائِلًا) وَهِيَ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ غَيْرُ الْحَامِلِ (فَعِدَّتُهَا) إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ زَوْجَةَ صَبِيٍّ أَوْ مَمْسُوحٍ. (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤]

ــ

[حاشية البجيرمي]

صِلَةٌ وَجُمْلَةُ يَتَرَبَّصْنَ خَبَرٌ لَكِنْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ عَيْنَ الْمُبْتَدَإِ: لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ الَّذِينَ وَهُمْ الْأَزْوَاجُ وَيَتَرَبَّصْنَ رَاجِعٌ لِلزَّوْجَاتِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَ الْمُبْتَدَإِ أَيْ وَزَوْجَاتُ الَّذِينَ إلَخْ. وَبَعْضُهُمْ نَظَرَ لِهَذَا الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ فَجَعَلَ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيُنَاسِبُهُ التَّخْصِيصُ. قَوْلُهُ: {وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي قَوْلُهُ: (لِسُبَيْعَةَ) بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ: (لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ مَرَّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ) أَيْ إحْدَاهُمَا مَحَلُّ الْمَنِيِّ وَهِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الْيَسَارُ مَحَلٌّ لِشَعَرِ اللِّحْيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ وُجِدَ مَنْ لَهُ الْيُسْرَى وَلَهُ مَاءٌ كَثِيرٌ وَشَعَرٌ كَذَلِكَ شَرْحُ مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعْهَدْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَنْزِلُ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ) : وَكَانَ مُجْتَهِدَ فَتْوَى، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي مَنْصِبِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَقْلِيدِ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ وَافَقَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا شَافِعِيَّانِ وَقَوْلُهُ: وَقُضِيَ بِهِ أَيْ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِالْمَمْسُوحِ وَقَوْلُهُ بِالْخُدَّامِ أَيْ مَنْ يَخْدِمُ النِّسَاءَ وَهُوَ الْمَمْسُوحُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَخْدُمُهُنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَّا الْمَمْسُوحُ وَهَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ حَاذِمٍ وَهُوَ مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (ابْنِ حَرْبَوَيْهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْيَاءِ كَعَمْرَوَيْهِ.

قَوْلُهُ: (قُلِّدَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَكْسُورَةً أَيْ وُلِّيَ قَوْلُهُ: (إلَى هَذَا الْقَاضِي) الْإِشَارَةُ لِمَا فِي الْخَارِجِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ} [مريم: ٦٣] فَهُوَ عَهْدٌ خَارِجِيٌّ عِلْمِيٌّ كَقَوْلِهِمْ خَرَجَ الْأَمِيرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا هُوَ قَوْلُهُ: (بِالْخُدَّامِ) أَيْ الطُّوَاشِيَةِ.

قَوْلُهُ: (مَجْبُوبًا) بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ قَوْلُهُ: (خُصْيَتَاهُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالْخُصْيَتَانِ الْبَيْضَتَانِ وَالْخُصْيَتَانِ الْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ، وَقَالَ الْأُمَوِيُّ الْخُصْيَةُ الْبَيْضَةُ فَإِذَا ثَنَّيْت قُلْت خُصْيَانِ بِلَا تَاءٍ قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ) وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ أَيْ لِأَنَّ وِعَاءَ الْمَنِيِّ وَهُوَ الْخُصْيَتَانِ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ: (وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا) هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَمْسُوحِ قَوْلُهُ: (حُرَّةً) : أَيْ وَلَوْ فِي ظَنِّهِ وَإِنْ خَالَفَ الْوَاقِعَ كَمَا فِي عِدَّةِ الْحَيَاةِ قَالَهُ مَرَّ وَخَالَفَهُ زي. اهـ. قل.

قَوْلُهُ: (صَبِيٍّ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الِاحْتِلَامِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ، إنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ زِنًا بِأَنْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ، لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ مُقَدَّمَةٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْمَوْتِ بِأَنْ وُطِئَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>