وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرَائِرِ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى الْحَائِلَاتِ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكَالْحَائِلَاتِ الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠] فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ وَهَذِهِ مُتَأَخِّرَةٌ.
أُجِيبَ: بِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ فِي التِّلَاوَةِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ، وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ: بِالْأَهِلَّةِ مَا أَمْكَنَ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ بِالْعَدَدِ. كَنَظَائِرِهِ. فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا الْأَهِلَّةُ كَالْمَحْبُوسَةِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ مَاتَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةٍ، انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِشُبْهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَحَمَلَتْ فَإِنَّهَا تُقَدِّمُ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ وَبَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ اهـ.
قَوْلُهُ: {وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ وَتَزِيدُ عَشْرًا فَهُوَ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ هَذَا عَلَى كَوْنِ عَشْرًا فِي كَلَامِ الْمَاتِنِ مَنْصُوبًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ لِعَدَمِ الْعَامِلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَشْرٌ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ قَالَ ز ى وَكَأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْعَدَدِ مَا مَرَّ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَصْبِرْنَ عَنْ الزَّوْجِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهَا فِي تَفَجُّعِهِنَّ وَزِيدَتْ الْعَشَرَةُ اسْتِظْهَارًا، ثُمَّ رَأَيْت شَرْحَ مُسْلِمٍ ذَكَرَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ بِهَا يَتَحَرَّكُ الْحَمْلُ وَتُنْفَخُ الرُّوحُ فِيهِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي ظُهُورَ حَمْلٍ إنْ كَانَ اهـ. بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ: ذَكَرَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ إلَخْ. هَذِهِ حِكْمَةٌ وَالْحِكْمَةُ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحِكْمَةَ سَاكِتَةٌ عَمَّا لَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً لِأَنَّ عِدَّتَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَحْبَلُ أَوْ آيِسَةً قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَيَّامِ) فِيهِ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ، فَيُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ اللَّيَالِي تِسْعَةً بِأَنْ تَقَدَّمَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَلَى اللَّيْلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ. بِأَنْ مَاتَ بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا فَإِنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَنْقُصُ لَيْلَةً، فَتَكْمُلُ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ، فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ أَوَّلَ الْيَوْمِ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ فَتَكُونُ نَاقِصَةً لَيْلَةً فَتُكْمَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْحَادِيَ عَشَرَ، وَحَذَفَ التَّاءَ مِنْ الْعَشَرَةِ مَعَ كَوْنِ الْمَعْدُودِ مُذَكَّرًا لِجَوَازِ حَذْفِهَا عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا وَهِيَ أَظْهَرُ، وَالْمُرَادُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا، لَكِنْ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ شُبْهَةٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ مُقَدَّمَةٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زِنًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِهَذَا لَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا صَحَّ نِكَاحُهُ قَطْعًا وَجَازَ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ زَنَتْ فِي الْعِدَّةِ وَحَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْعِدَّةُ وَلَوْ جَهِلَ حَالَ الْحَمْلِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ كَالزِّنَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ فَلَا تُحَدُّ تَجَنُّبًا عَنْ تَحَمُّلِ الْإِثْمِ بِقَرِينَةِ آخِرِ كَلَامِ قَائِلِهِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: ٢٣٤] قَالَ الشَّوْبَرِيُّ يُقَالُ: تُوُفِّيَ فُلَانٌ وَتَوَفَّى إذَا مَاتَ فَمَنْ قَالَ تُوُفِّيَ مَعْنَاهُ قُبِضَ وَمَنْ قَالَ تَوَفَّى مَعْنَاهُ تَوَفَّى أَجَلَهُ أَيْ اسْتَوْفَى عُمُرَهُ وَاسْتَكْمَلَ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَوَفَّوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ قَوْلُهُ: {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨] إلَخْ. فِي مُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ زَوْجَاتُهُمْ وَبِهِ تَحْصُلُ الْمُطَابَقَةُ، بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ، وَاَلَّذِينَ لِأَنَّهُ لِلْمُذَكَّرِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: يَتَرَبَّصْنَ أَوْ يُقَدَّرُ وَزَوْجَاتُ الَّذِينَ إلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: {وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَانْظُرْ لِمَاذَا فَسَّرَ الْعَشْرَ فِي الْآيَةِ بِاللَّيَالِيِ وَفَسَّرَ الْعَشَرَةَ فِي كَلَامِهِ بِالْأَيَّامِ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ فَسَّرَ الْعَشْرَ بِذَلِكَ لِتَأْنِيثِهَا وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِهَا وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ اللَّيَالِي، لِأَنَّهَا غُرَرُ الشُّهُورِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: بِأَيَّامِهَا إلَى دَفْعِ إبْهَامِ إخْرَاجِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُدَّةِ قَوْلُهُ: (الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ زِنًا أَوْ وَطْءَ شُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ زِنًا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بَعْدَ وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم.
قَوْلُهُ: (وَصِيَّةً) أَيْ أَوْصُوا وَصِيَّةً إلَخْ قَوْلُهُ: (بِالْأَهِلَّةِ) وَعِبَارَةُ مَرَّ وع ش عَلَيْهِ وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ مَا لَمْ يَمُتْ أَثْنَاءَ شَهْرٍ وَقَدْ بَقِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute